للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعتزلة حين أثبتوا لأفعال الله حكمة منفصلة عن الله، لا ترجع إليه، حصروها في المخلوق، ثم زعموا أن هذه الحكمة لا تتم إلا بأن يكون العباد خالقين لأفعالهم؛ بناء على أصلهم، القول بالعدل، فمتى قيل: بأن الله هو خالق أفعالهم، أثر على هذه الأصل الذي اخترعوه، وهذا بدوره أدى بهم إلى أن أوجبوا على الله تعالى فعل الأصلح، وهي كذلك حلقة من سلسلة حلقات أدت بهم إلى القول: بأن الله لا يخلق أفعال العباد؛ لأنه لو خلقها ثم عاقبهم، لكان ظالماً لهم، وهذا لا يجوز.

٢ ـ وكذا حين نفي الجهمية أن تكون للعبد أي استطاعة، لا قبل الفعل ولا معه، قالوا بالجبر، وحين قال الأشاعرة بنفي قدرة العبد قبل الفعل، وأثبتوا القدرة مع الفعل، ونسبوها إلى الله تعالى، وسموها كسباً، قاربوا الجهمية، وحين جعلت المعتزلة الاستطاعة قبل الفعل، وجعلوها للعبد، حيث يقدر على الترك والفعل مطلقاً، قالوا: هو الفاعل لفعله حقيقة، والله لا يخلق فعله.

٣ ـ ولما اختلفوا في التحسين والتقبيح، هل هما عقليان أم شرعيان، نشأ عنه القول بالجبر والقدر، بل نشأت عنه مسألة أخرى، اختلفوا في تعريفها وهي مسألة الظلم، وكيف يتنزه الرب تعالى عنه. (١)

والذي يهمنا في هذا المقام، كيف عالج السمعاني هذه القضية، ورد على المنكرين؟!

أولاً: قرر السمعاني هذه المسألة بناء على المنهج السلفي، وهو أن الله تعالى له الخلق المطلق العام الشامل، وهذا يشمل أفعال الإنسان، واستدل على ذلك بدلائل القرآن الكريم، ومنها:

١ ـ قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة:٢٥٣]، ووجه الدلالة من الآية: يقول السمعاني:" هذا دليل على القدرية؛ حيث أحالوا الاقتتال على المشيئة " (٢)، والقدرية ينكرون أن تكون لله تعالى مشيئة في فعل العبد.


(١) استفدت هذه المباحث من: رسالة القضاء والقدر: عبدالرحمن المحمود: ٢٤١ ـ ٢٩٠، العروسي: المسائل المشتركة: ١٦٩، عبدالرحمن حبنكة: العقيدة الإسلامية: ٦٣٧
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٢٥٦

<<  <   >  >>