للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الأشاعرة فوافقوا السلف، في أن معرفة الله تعالى ممكنة بالعقل، واجبة بالشرع (١)، غير أنهم فارقوهم في بيان أول واجب على المكلف.

فأهل السنة قرروا أن أول واجب على المكلف هو التوحيد، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، ونبذ الشرك، على ما تواتر من نصوص الشرع في بيان هذا الواجب. (٢) وهو ما قرره السمعاني ونصره، ورد على المخالفين في إيجابهم النظر أولا، فقال:"وقد ذكرنا في كتاب الانتصار لأصحاب الحديث، واخترنا طريقة السلف وما كانوا عليه في هذا الباب، ونقلنا عن عامة الأئمة ما يوافق ما اخترناه وذكرناه" (٣)

وسلك الأشاعرة مسلكاً عويصاً في هذه المسألة، واختلفوا في أول واجب على المكلف، فقال بعضهم: أول واجب: المعرفة، وقيل النظر، وقيل: القصد إلى النظر، ثم ولدوا عليها سؤالات، كحكم تارك النظر. (٤)

وهذا القول فيه مناقضة لما غرسه الله جل وعلا في النفوس، من معرفته، وفطرها على الإقرار بربوبيته، فإن الخلق كلهم ولدوا على الفطرة، فمتى " تركت الفِطر بلا فساد، كان القلب عارفاً بالله، محباً له وحده ". (٥)

وقد قَرَّر السلف أن المعرفة الإلهية، هي معرفة فطرية، غريزية، جبلِّيَّة، بمعنى أن الخلق فطروا على معرفة خالقهم.

وهذا لا يعارض ما قيل سلفاً، من وجوبه بالشرع، وإمكانه بالعقل، لأن العقل السليم موافق للفِطر السليمة.


(١) ((الشهرستاني: محمد بن عبدالكريم: الملل والنِحل، مؤسسة الحلبي، (١/ ١٠١).
الإيجي: عبدالرحمن بن أحمد: المواقف: دار الجيل، بيروت، ط ١، ١٤١٧ هـ، (١/ ٧٧)
(٢) ((ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية: وزارة الشؤون الإسلامية، المملكة العربية السعودية، ط ٢ - ١٤١٨ هـ (٢٧).
(٣) - السمعاني: قواطع الأدلة: ٢/ ٦٨، وانظر: الانتصار: ٦١
(٤) ((الإيجي: المواقف: ١/ ١٦٥
(٥) ((ابن تيمية: أحمد بن عبدالحليم: أمراض القلوب وشفاؤها، المطبعة السلفية، القاهرة، ط ٢، ١٣٩٩ هـ (٢٦).

<<  <   >  >>