للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقول بأن المعرفة اكتساب محض، هو من قول المتكلِمة، والذي تُؤيده ظواهر النصوص الشرعية، أن معرفة الله تعالى، والإقرار بربوبيته، مما فُطِر عليه البشر جميعهم، لكن حصل الانحراف بهذه الفِطر السليمة بأسباب متعددة، منها الوالدان، والبيئة، والمجتمع، والغفلة، والشياطين. وهذه المعرفة ليست كافية بذاتها، بل هي بحاجة لمعرفة مكتسبة تحييها، وتنميها، وتوقظها، وهي دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، " والرسل صلى الله عليهم وسلم، بُعثوا لتقرير الفِطرة وتكميلها، لا لتغيير الفِطرة وتحويلها " (١)، فالإقرار بالخالق وكماله، يكون فِطرياً ضرورياً في حق من سلمت فطرته. وهل يحتاج مع ذلك إلى الأدلة؟ نعم، قد يحتاج إلى الأدلة عليه سبحانه وتعالى، كثير من الناس عند تغيُّرالفِطرة، وما يعرض لها من التحول. (٢)

ولذا كان عمر بن عبدالعزيز يأمر بالتمسك بالفطرة السليمة الأولى، فقد جاء رجل إليه فسأله عن شيء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في الكُتَّاب والأعرابي، وأَلْهَ عما سوى ذلك. (٣)

فإذا كانت الفِطرة تصح من عديم العقل، فكيف لا تصح من صاحب العقل والتمييز. فالهدهد غار على توحيد الله تعالى، مع كونه طيراً غير مكلف ولا مميِّز، وبهذه الفِطرة التي فَطر الله عليها الإنسان، وبما رُكِّب فيه من الإرادة والحركة، والشعور والإحساس الذي به يميِّز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، وبه يبحث عما يحب وينفعه، وما يضر يبغضه.

ولما كانت عبادة الله جل وعلا أعظم ما أمر الله به، وأكبر ما حُقَّ له سبحانه، وأول ما وَجب على المُكلف، جَعَل دليل استحقاقها مغروساً في النفوس، حاضراً في الأفئدة والقلوب، ليسهل انقيادها، وتكمل سعادتها.


(١) ((ابن تيمية: أمراض القلوب وشفاؤها (٢٦).
(٢) ((انظر: ابن تيمية: الرسالة الأكملية فيما يجب لله من صفات الكمال، مطبعة المدني السعودية، ١٤٠٣ هـ (٩).
(٣) ((ابن سعد: محمد بن سعد: الطبقات الكبرى، دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤١٠ هـ (٥/ ٢٩٠)

<<  <   >  >>