للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" إن هذه الفِطرة هي التي تُفسِّر الظاهرة التي لاحظها الباحثون في تاريخ الأديان، وهي أن الأمم جميعاً ـ التي درسوا تاريخها ـ اتخذت معبودات تتجه إليها وتقدسها. وقد يقال هنا: لو كان التوجه إلى الله أمراً فطرياً، لما عَبَد الناس في مختلف العصور آلهة شتى. والجواب: إن الفطرة تدعو المرء إلى الاتجاه إلى الخالق، لكن الإنسان تُحيط به مؤثرات كثيرة، تجعله ينحرف حينما يتجه إلى المعبود الحق " (١).

فالفطرة هي: السلامة من الاعتقادات الباطلة، وقبول العقائد الصحيحة. ومع ذلك جرى خِلاف طويل في تحديد معنى الفِطرة، فقيل:

ـ هي الإقرار بمعرفة الله تعالى.

ـ هي الخلقة التي خُلقَ عليها المولود.

ـ هي البراءة التي ابتدأهم عليها، بمعنى أنه مولود على ما فطر الله عليه خلقه منذ ابتدأهم، للحياة والموت، والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ، من قبولهم عن آبائهم اعتقادهم.

وأما التفسير المعروف عند عامة السلف للفطرة: فهو الإسلام، وهي عبادة الله وحده، ولذا فسَّروا الفطرة في قوله تعال: " فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠) " (الروم ٣٠) بدين الإسلام. (٢)

ويُشار في هذا المقام إلى أن الفطرة، تعني المحبة لمن خَلَق وأبدع، والإقرار له بالربوبية والعبودية، بحيث لو خُلِّيَ بينه وبين ربه لم يعدل عن ذلك إلى غيره.

فليست الفِطرة أن يولد المرء ساذجاً، لا يعرف توحيداً ولا شركاً؛ لأنه جاء في بعض الروايات: " إلا وهو على الملة " (٣).


(١) ((الأشقر: عمر بن سليمان: العقيدة في الله، دار النفائس، الأردن، ط ١٢، ١٤١٩ هـ (٦٩)
(٢) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٤/ ٢٠٩
(٣) ((أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، دار إحياء التراث، بيروت، ح (٢٦٥٨). ينظر: ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية: ٣٤

<<  <   >  >>