للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتصحيح الحافظ ابن حجر لها، تعقبه فيها العيني، فبعد أن نقل قوله، قال: " قلت: الذي ذكراه هو اللائق بجلالة قدر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد قامت الحجة، واجتمعت الأمة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، وحاشاه أن يجري على قلبه أو لسانه شيء من ذلك، لا عمداً ولا سهواً، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله عز وجل، لا عمداً ولا سهواً. والنظر والعرف أيضاً يحيلان ذلك، ولو وقع لارتد كثير ممن أسلم، ولم يُنقل ذلك، ولا كان يخفى على من كان بحضرته من المسلمين " (١)، وقال: " وما قيل: كان ذلك بسبب ما القى الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى، فلا حجة له نقلاُ وعقلاً " (٢)

ولذا فإن الراجح ـ والله أعلم ـ هو قول من ذهب إلى أن القصة غير صحيحة، وقد نُقل عن الإمام ابن خزيمة أنه قال عنها: هي من وضع الزنادقة. (٣)

وقال الشنقيطي مبيناً جهة بطلانها من نفس السورة، فقال: " وهذا القول الذي زعمه كثير من المفسرين .... الذي لا شك في بطلانه، في نفس سياق آيات النجم، التي تخللها إلقاء الشيطان المزعوم، قرينة واضحة على بطلان هذا القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بعد موضع الإلقاء المزعوم بقليل قوله تعالى في اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى: " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ " (النجم ٢٣)، وليس من المعقول، أن النبي صلى الله عليه وسلم يسب آلهتهم هذا السب العظيم في سورة النجم متأخراً عن ذكره لها بخيرٍ المزعوم، وإلا غضبوا، ولم يسجدوا؛ لأن العبرة بالكلام الأخير " (٤).


(١) العيني: عمدة القاري: ١٩/ ٦٦
(٢) العيني: عمدة القاري: ١٩/ ٢٠٣
(٣) الرازي: مفاتيح الغيب: ٢٣/ ٢٣٧
(٤) الشنقيطي: أضواء البيان: ٥/ ٢٨٦

<<  <   >  >>