للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال النحاس: " وهذا يجب أن يوقف على معناه من جهة الدين؛ لطعن من طعن فيه من الملحدين. فأول ذلك: أن الحديث ليس بمتصل الإسناد، ولو اتصل إسناده وصح لكان المعنى فيه صحيحاً " (١)، ونقل الألوسي عن أبي منصور الماتريدي قوله: " تلك الغرانيق العلى، من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة؛ حتى يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين؛ ليرتابوا في صحة الدين، وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية " (٢). ثم ذكر الألوسي أوجهاً باطلة، تلزم على القول بأن الناطق بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بسبب إلقاء الشيطان الملبس.

وممن أطال نقد هذه القصة، القاسمي في تفسيره، و د. محمد أبو شهبة في كتابه: "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ".

الترجيح: سبق أن ذكرنا رأي الإمام السمعاني في هذه المسألة، وهو إثبات أصل هذه القصة، ولكن حملها على ما يوافق العصمة، وإنما كان ذلك ابتلاء واختباراً من الله تعالى.

وهذا هو الذي سار عليه كثير من العلماء ممن أثبت هذه القصة، فإنهم حملوها على ما يوافق العصمة، يقول ابن الجوزي: " ... فلما سمعوا هذه السورة، قال بعض الشياطين: هذه الكلمات على وزنها، فظنوا أن رسول الله قد قالها، وإنما قيلت في ضمن تلاوته. فأما أن يكون جرى على لسان الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم مثل هذا فمحال، فلا تغتر بما تسمعه في التفاسير، من أنه جرى على لسانه، فإنه لو صح هذا لاختلط الحق بالباطل، وجاز أن يشك في الصحيح " (٣).

وهذا فيه رد لقول السمعاني، في أن هذا شيء جرى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه قال: وليس عليه اعتراض لأحد، وقالوا: إن هذا وإن كان غلطاً عظيماً، فالغلط يجوز على الأنبياء، إلا أنهم لا يقرون عليه. (٤)

وهذا التوجيه وغيره مما ذكر، يستقيم عند من صحح الآثار واعتبرها.


(١) النحاس: إعراب القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤٢١ هـ (٣/ ٧٣)
(٢) الألوسي: روح البيان: ٩/ ١٦٩
(٣) ابن الجوزي: كشف المشكل: ١/ ٢٧٤
(٤) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٤٤٩

<<  <   >  >>