للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن الهداية المضافة إلى الله تعالى عند المعتزلة لا تدل على خلق الله لها، وإنما العبد يخلقها لنفسه، ومتى أُطلق هذا اللفظ وأُضيف إلى الله، فإنه مؤول على زعمهم، بطلف الله الحامل للعبد على أن يخلق هداه. (١)

ثم ذهب جمهور المعتزلة إلى أن الله تعالى ليس عنده شيء أصلح مما أعطاه جميع الناس، كافرهم ومؤمنهم، ولا عنده هدي أهدى مما قد هدى به الكافر والمؤمن هذا مستوياً، وأنه ليس يقدر على شيء هو أصلح مما فعل بالكفار والمؤمنين، ثم اختلف هؤلاء، فقال جمهورهم: إنه تعالى قادر على أمثال ما فعل من الصلاح بلا نهاية، وقال الأقل منهم: هذا باطل؛ لأنه لا يجوز أن يترك الله تعالى شيئاً يقدر عليه من الصلاح. من أجل فعله لصلاح ما، وحجتهم: أنه لو كان عنده أصلح أو أفضل مما فعل بالناس، ومنعهم إياه، لكان بخيلاً، ظالماً لهم (٢)، تعالى الله عما يقولون، وذهب ضرار بن عمرو، وحفص الفرد، وبشر بن المعتمر، ومن وافقهم وهم قليل منهم، إلى أن عند الله عز وجل ألطافاً كثيرة لا نهاية لها، لو أعطاها الكفار لآمنوا إيماناً اختيارياً، يستحقون به الثواب بالجنة (٣). وقد ذكر الإمام أبو الحسن الأشعري مقالاتهم في حقيقة اللطف (٤)، والذي يهمنا هنا: أن مسألة اللطف من الله تعالى، هي من الأمور الثابتة، لكن ليس على سبيل الإيجاب على الله تعالى، كما ترى المعتزلة، بل اللطف من الله تعالى بمحض تفضله، ومَنِّه على العبد بالتوفيق والإعانة إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، وأن ألطاف الله تعالى لا تتناهى، والتوفيق من الله تعالى: هو التسهيل والتيسير والمعونة (٥)


(١) ابن المنير: الانتصاف فيما تضمنه الكشاف: ١/ ٣١٧
(٢) ابن حزم: الفِصل: ٣/ ٩٢
(٣) ابن حزم: الفِصل: ٣/ ٩٣
(٤) الأشعري: مقالات الإسلاميين: ١/ ١٩٦
(٥) - السمعاني: تفسير القرآن: ٢/ ٤٥٢

<<  <   >  >>