للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن: فتقليد الآباء داء قديم، حكاه الباري في كتابه في أكثر من موضع، وشاهده في قصة إبراهيم مع قومه لما دعاهم إلى توحيد الله تعالى، بم أجابوه حين قال لهم:" مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ" (الأنبياء ٥٢)،" قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ" (الأنبياء ٥٣)، معناه: وجدناهم كذلك فاتبعناهم (١)، فرد عليهم خليل الرحمن قائلاً:" قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (الأنبياء ٥٤)، أي: في خطأ بيّن وفي خسران في عبادتها؛ لأنها جمادات لا تنفع ولا تضر ولا تعلم (٢)، فهم اقتدوا بهم على طريق التقليد في عبادتها (٣)،فلم تكن لهم حجة إلا صنيع آبائهم الضُلال (٤).

والشاهد: أن المشركين: يسوغون شركهم بأسباب وهمية، وطرق واهية، وهي لاتقوم على أساس من برهان أو دليل أو حجة، وليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك، سوى تقليد الأسلاف بأنهم كانوا على دين وملة، ولكن تشابهت قلوب أهل الشرك وتقاربت مقالاتهم (٥).

وهذا المقام وجد في قوم إبراهيم حكاه الله في القرآن في سورة أخرى، فهم يقولون تلك الحجة الباطلة، والمقالة الفاسدة:" قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ" (الشعراء ٧٤)، فهم أقروا واعترفوا أن هذه المعبودات لاتسمع أقوالا، ولا تجلب نفعا، ولا تدفع ضرا، وإنما فقط هو مجرد الاقتداء الفاسد، يقول السمعاني عن هذه الآية:"واستدل أهل العلم بهذا على أن التقليد لا يجوز" (٦)


(١) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٣٨٩.
(٢) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٣٨٦ - القرطبي: الجامع لأحكام القرآن:١١/ ٢٩٦.
(٣) الواحدي: التفسير الوسيط:٢/ ٢٤١.
(٤) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم:٥/ ٣٤٨.
(٥) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم:٣/ ٢٢٤ بتصرف.
(٦) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم:٤/ ٥٢.

<<  <   >  >>