للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نشطوا في غيهم وفسادهم، وخرقوا هيبة السلطان، وأراقوا الدماء (١)، بل كانوا على أشد الفجور، وأعظم الخطيئة، يقول الإمام ابن الجوزي عن أحداث سنة ٤٢٦ هـ: " ثم اشتد أمر العيارين، وكاشفوا بالإفطار في رمضان، وشرب الخمر، وارتكاب الفجور " (٢).

وكان الأمر المؤلم لهذه الشعوب المقهورة، أن العيارين صاروا يأخذون أموالهم ليلا ونهارا، ولا مانع لهم؛ لأن السلطان كان عاجزا عن قهرهم، ولذا انتشروا في البلاد، فنهبوا النواحي، وقطعوا الطريق، وبلغوا إلى أطراف بغداد، حتى وصلوا إلى جامع المنصور، وأخذوا ثياب النساء في المقابر (٣).

فعدم استقرار الأمن، هو نتيجة لما تمر به الدول من الفوضى السياسية، وأما فقدان الأمن المعيشي، فقد بلغ في هذه الأمة مبلغه، حتى لا يكاد المرء يُصدق ما يقرؤه.

فالغلاء الفاحش الذي أضر بالناس لم يستثن أحدا، فارتفعت الأسعار، وفشت الأوبئة، وصار أمر الناس في عُسر.

ففي بدايات هذا القرن الذي نتحدث عنه، " اشتد الغلاء بخراسان جميعها، وعُدِمَ القوت، حتى أكل الناس بعضهم بعضا. فكان إنسان يصيح: الخبز الخبز ويموت، ثم تبعه وباء عظيم، حتى عجز الناس عن دفن الموتى " (٤).

وفي منتصف هذا القرن، كان الغلاء والوباء عاما في البلاد جميعها: مكة، والعراق، والموصل، والجزيرة، والشام، ومصر، وغيرها من البلاد (٥).

وفي أواخر هذا القرن، عم الغلاء دامغان (٦)، حتى شُوهد رجل يأكل كلبا مشويا في الجامع، وإنسان يُطاف به في الأسواق، وفي عنقه يد صبي قد ذبحه وأكله (٧).


(١) ابن الجوزي: المنتظم: (١٥/ ١٧٠).
(٢) ابن الجوزي: المنتظم: (١٥/ ٢٤٦).
(٣) ابن الأثير: الكامل في التأريخ: دار الكتاب العربي - بيروت، ط ١ - ١٤١٧ هـ، (٧/ ٥٦٨)، ابن كثير: البداية والنهاية: (١٢/ ٤٤).
(٤) ابن الأثير: الكامل في التأريخ: (٧/ ٥٧٣).
(٥) المرجع السابق: (٨/ ٧٤).
(٦) دامغان: بلد كبير بين الري ونيسابور. ينظر: الحموي: معجم البلدان: (١/ ٣٦٥).
(٧) ابن الجوزي: المنتظم: (١٧/ ٦٦).

<<  <   >  >>