للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أعلى أوجه الهداية القرآنية، هدايته " للطريقة التي هي أقوم الطرق وأعدلها، وهي توحيده جل وعلا في ربوبيته، وفي عبادته، وفي أسمائه وصفاته " (١)، وتوغله في دواخل النفس البشرية، وعوالم الضمير والشعور، "بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية، ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق" (٢).

فالقرآن الكريم مصدر إشعاع ونور وهداية، يُغذي النفس البشرية، ويُشبع كل رغباتها، في جميع احتياجاتها.

فيعرفها بالإله الحق المبين، فيفتح أمامها المجال؛ لتستنطق الفطرة، وليسرح العقل في هذا الكون العجيب، متفكراً في آيات الله تعالى، ومتأملاً في آلائه عليه؛ ليقف على بصيرة من شواهد الربوبية، ودلائل الوحدانية، الموجبة استحقاق الرب للعبودية وحده دون من سواه ويجول بالنفس في نواحي الجمال والجلال والكمال، لما انطوت عليه الذات الإلهية العلية الشريفة المقدسة، من الأسماء الحسنى، والصفات العليا.

ويفتح أمامها صفحة الماضي بكل تفاصيلها، لتشاهد أخبار الأمم السابقة، كأنها عيان أمام عينيها؛ لتتعظ وتعتبر.

ولما كانت النفس متعلقة لمعرفة ما وراء الماديات، متلهفة للكشف عن الغيبيات، جاء القرآن الكريم فهذبها، ورسم أمامها معالم الطريق الصحيح، وبين أن طريقة المؤمنين، وأول صفات المتقين، الإيمان بالغيب، وأن الغيب من خصائص علم الله تعالى، وأن مدار هذه العوالم الغيبية التي لا تدركها الحواس، ومبناها على التسليم والتصديق، والإذعان والقبول.

ولما كان القرآن الكريم بهذه المثابة العظيمة، والمنزلة الكريمة، والمكانة الجليلة، تعالت همم العلماء وتسابقت نحو هذا الكتاب العزيز؛ للوقوف على مقاصده، وبيان معانيه، واستنباط أحكامه، واستخراج مراميه.


(١) الشنقيطي: أضواء البيان، دار الفكر للطباعة -بيروت، ١٤١٥ هـ (٥٦٨)
(٢) سيد قطب: في ظلال القرآن: ٤/ ٢٢١٥

<<  <   >  >>