للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقي الإشكال في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:١٠٦ - ١٠٧]، قال السمعاني: هذه الآية تُعدُّ من مشكلات القرآن، وقد أكثر العلماء فيها الأقوال، ونذكر ما يعتمد عليه " (١)، ففسر السمعاني معنى خلود السموات والأرض، بما ورد عن ابن عباس: أن الآية نزلت في قوم من المؤمنين يدخلهم الله تعالى النار، ثم يخرجهم منها إلى الجنة، ويسمون الجهنميين، وعَبَّر بالسموات والأرض عن طول المكث، ويكون الاستثناء واقعا على ما بعد الإخراج من النار، بشفاعة الأنبياء والمؤمنين. (٢)

وأما تفسير الآية الأخرى في أهل الجنة الذين دخلوها، من غير أن يدخلوا في النار، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:١٠٨]، فالخلود يُراد به الإقامة فيها ما دامت السموات والأرض، وكنى بهذا عن طول المكث.

ـ وقيل: معنى الخلود راجع إلى سموات الجنة وأرضها، والاستثناء يعود على زمان الوقوف في القيامة، ومدة المكوث في القبر.

ـ وقيل: معنى الاستثناء: ولو شاء لقطع التخليد عليهم، ولكن لا يشاء. (٣)

إذن: فهما باقيتان لا تفنيان بإتفاق أهل الإسلام، يقول ابن تيمية: " وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة، على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار ". (٤)


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٢/ ٤٥٩
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ٢/ ٤٦٠
(٣) السمعاني: تفسير القرآن: ٢/ ٤٦٠ - ٤٦١
(٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ١٨/ ٣٠٧

<<  <   >  >>