للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما جمهور أهل السنة، فيثبتون للعبد استطاعة هي مناط الأمر والنهي، وهذه الاستطاعة قد تكون قبل الفعل، ولا يجب أن تكون معه. ومنشأ النزاع جاء من الإجمال الحاصل في لفظ الاستطاعة، فأهل السنة يُفصِّلون في الاستطاعة والقدرة:

١ ـ فهناك قدرة تكون قبل الفعل، وهي التي يتعلق بها الأمر والنهي، وهي مصححة للفعل يمكن معه الفعل والترك، وهي تصلح للمطيع والعاصي، فتكون قبل الفعل، وقد تبقى إلى حين الفعل، إما بنفسها، وإما بتجدد أمثالها.

٢ ـ استطاعة يجب معها وجود الفعل، وهي القوة التي ترد من الله تعالى على العبد، فهذه تكون مقارنة للفعل موجبة له، فهذه القدرة التي ترد من الله على العبد، متى فعل بها الخير أُثيب، ومتى فعل بها الشر عُوقب. (١)

والإمام السمعاني قَرَّر هذه المسألة، على وفق ما جاء عن أهل السنة والجماعة، فقال: " نحن بحمد الله، نجعل الاستعانة والتوفيق مع الفعل، سواء قرنه به أم أخره جاز ". (٢) وقال ذلك حين أورد تساؤلاً في تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]: " فإن قيل: لم قدم ذكر العبادة على الاستعانة، والاستعانة تكون قبل الفعل؟! فأجاب: أن هذا إنما يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل، وهو يرد هنا على المعتزلة، ثم أجاب بما ذكرناه، وهو أن الاستعانة والتوفيق مع الفعل سواء قرنه به أم أخره جاز، خلافاً لما قرره الأشاعرة، بأن الاستطاعة مع الفعل، لا يجوز أن تتقدمه، ولا أن تتأخر عنه، وهنا يظهر أن السمعاني أراد أن يرد في كلامه السابق على القدرية القائلين: بأن القدرة لا بد أن تكون قبل الفعل، ولا يوجد للفعل قدرة تخصه عند القيام به.


(١) ابن تيمية: منهاج السنة: ١/ ٣٦٩ - ٣٧٢، درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٦١، العروسي: المسائل المشتركة: ١٣٢، المحمود: القضاء والقدر: ٢٦٥
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٣٧

<<  <   >  >>