للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما غلط هؤلاء، حين لم يفرقوا بين علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها، وأنها مثبتة عنده في أم الكتاب، وبين ثبوتها في الخارج عن علم الله تعالى، فهم يفرقون بين الوجود العلمي، والوجود العيني، فالوجود العلمي لا وجود له في الخارج، وإنما هو معلوم ذهناً، وعلى هذا الاعتبار يصح قولنا: إن المعدوم شيء في العلم والذهن، أما الثبوت العيني، فهو الشيء الموجود في الخارج، فبهذا الاعتبار، يصح قولنا: إن المعدوم ليس بشيء في الخارج (١)، يقول الإمام ابن تيمية: " وبينا أن المعدوم شيئ أيضاً في العلم والذهن، لا في الخارج، فلا فرق بين الثبوت والوجود، لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني، مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة، ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به ". (٢)

وقد ذكر العمراني في رده على المعتزلة، أن هذا القول، هو من أصولهم الفاسدة التي خالفوا بها الكتاب، وإجماع المسلمين (٣). والإمام السمعاني ـ رحمه الله ـ رد على المعتزلة قولهم، حين أورد في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠]، إشكالاً مفاده: " فإن قيل: قد قلتم بأن المعدوم ليس بشيء، وقد جعل الله ها هنا المعدوم شيئاً، حيث قال:" إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ "، معناه: أردنا تكوينه. فالجواب:


(١) انظر: ابن حزم: الفِصل: ٥/ ٢٧، عبدالقاهر البغدادي، الفرق بين الفرق: ١٦٤، الشهرستاني: الملل والنحل: ١/ ٨٣، الإيجي: المواقف: ١/ ٢٦٥، ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ٢/ ٤٦٩، الجواب الصحيح: ٤/ ٣٠٠
(٢) ابن تيمية: التدمرية: ١٣١
(٣) العمراني: الانتصار في الرد على المعتزلة: ١/ ١٢٠

<<  <   >  >>