للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسمعاني يُقسِّم الكفر إلى نوعين: كفر بالله مخرج عن الملة، وهو ما أشار إليه سابقاً، وكفر لا يخرج من الملة، وهو كفران النعمة، وقد حَمَل قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٥٥]، على كفران النعمة بترك الطاعة، قال: وهذا ما عليه أكثر أهل التفسير، وهو الأصح من حمله على الكفر بالله تعالى (١)، ويدل عليه أيضاً تفريقه بين الرياء والنفاق، فقال: " واعلم أن الرياء لا يوجب الكفر، وهو عيب عظيم، وأما النفاق كفر محض " (٢)، فإن كان ما ذكره الإمام السمعاني صحيحاً، فكيف وجَّه قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ} [محمد:٢٠]، والذين في قلوبهم مرض، أي: نفاق، فكيف أخبر عن المؤمنين في ابتداء الآية، ثم قال: " رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ " وهم المنافقون، والمنافق لا يكون مؤمناً؟! أجاب عنه السمعاني بقوله: " والجواب عنه: أن في الآية حذفاً، ومعناه: " فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ "، فرح المؤمنون واستأنسوا بها، و" رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ " أي: شخصوا بأبصارهم نحوك، ونظروا نظراً شديداً، شبه الشاخص بصره عند الموت، وإنما أصابهم مثل هذا؛ لأنهم إن قاتلوا خافوا الهلاك، وإن لم يقاتلوا، خافوا ظهور النفاق " (٣)، إذن: فالنفاق كفر القلب، وزواله بالإخلاص. (٤)


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٥٤٥
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٤٩٤
(٣) السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ١٨٠
(٤) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٤٩٥

<<  <   >  >>