للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوُجُود، وَالْجَوَاب أَن المُصَنّف أَشَارَ إِلَى أَنهم جعلُوا النعم الْمَذْكُورَة سَببا بِاعْتِبَار شكرها، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْبَاعِث لاقدام الْفَاعِل على الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة فَهُوَ المفضي إِلَيْهَا، وَتلك النعم من حَيْثُ ذَاتهَا منشؤه وَلَا يُفْضِي إِلَيْهَا غَالِبا (غير أَنه قدر مَا اعْتبر مِنْهَا سَببا بوقته) فِي بعض تِلْكَ الْأَفْعَال (كَالصَّلَاةِ) يَعْنِي أَن نعْمَة الْأَعْضَاء أَمر مُسْتَمر، لَكِن الشَّارِع جعله قطعا وَاعْتبر كل قِطْعَة مِنْهُ سَببا لصَلَاة، وَقدر تِلْكَ الْقطعَة بِقِيَاس هُوَ وقته، وَإِضَافَة الْوَقْت لأدنى مُلَابسَة، لِأَن الْمُتَبَادر مِنْهَا أَن يكون الْوَقْت مُسْتَغْرقا لتِلْك الْقطعَة، وَالْوَقْت الَّذِي جعل سَببا للصَّلَاة لَيْسَ كَذَلِك، بل جُزْء من أَجزَاء وَقت مَا هُوَ سَبَب لَهَا (أَو قدره) مَعْطُوفًا على وقته يَعْنِي بوقته تَارَة وبقدره أُخْرَى كالنصاب فِي الزَّكَاة (أما الْوَقْت) الْمُقدر بِهِ (فجدير بِهِ) أَي بِالْوَقْتِ (الْعَلامَة) أَي يَلِيق بِهِ أَن يَجْعَل عَلامَة كَمَا سَيَأْتِي، وَقد مر تَفْسِيرهَا وَعدم اعْتِبَار التَّأْثِير والإفضاء والتوقف فِيهَا (و) جعل مَا قدر بِهِ السَّبَب (لِلزَّكَاةِ النّصاب) الشَّرْعِيّ الْمُوجب للغني (لعقلية الْغَنِيّ) أَي لمعقولية كَون الْغَنِيّ (سَببا) لِأَنَّهُ يتَمَكَّن من مواساة الْفَقِير، وَلذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظهر غنى ". (وَشرط النَّمَاء) فِي النّصاب لوُجُوب الْأَدَاء (تيسيرا) للْأَدَاء وتخفيفا للغني لِأَنَّهُ إِذا لم يكن ناميا تفنيه الْحَوَائِج المتجددة على الِاسْتِمْرَار قَرِيبا (وأقيم الْحول مقَامه) أَي مقَام النَّمَاء (لِأَنَّهُ) أَي الْحول (طَرِيقه) الْموصل إِلَيْهِ لاشْتِمَاله على الْفُصُول المؤثرة فِي النَّمَاء بالدر والنسل وَزِيَادَة الْقيمَة بتفاوت الْحَاجَات الْمُتَعَلّقَة باخْتلَاف تِلْكَ الْفُصُول، فَصَارَ الْحول شرطا بتكرره بِتَكَرُّر السَّبَب، لِأَن المَال بِاعْتِبَار كل نَمَاء غَيره بالنماء الآخر (و) جعل مَا قدر بِهِ السَّبَب (للصَّوْم الْجُزْء الأول من الْيَوْم) الَّذِي لَا يتَجَزَّأ (لِأَن إِيجَاب الْعِبَادَة) الَّتِي هِيَ صَوْم رَمَضَان إِنَّمَا يَبْغِي أَن يَقع (فِي وَقت شرِيف) عين (لَهُ) أَي للصَّوْم (وَلَا دخل لِليْل فِيهِ) أَي فِي الصَّوْم، ثمَّ صَوْم كل يَوْم عبَادَة على حِدة مُخْتَصّ بشرائط وجوده مُنْفَرد الانتقاض بنواقضه مُتَعَلق بِسَبَب على حِدة، وَذهب شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَمن وَافقه إِلَى اتِّحَاد السَّبَب للشهر، وَهُوَ مُطلق شُهُود الشَّهْر، وَهُوَ اسْم لمجموع اللَّيَالِي وَالْأَيَّام إِلَى أَن السَّبَب هُوَ الْجُزْء الأول مِنْهُ لِئَلَّا يلْزم تقدم الشَّيْء على سَببه: وَلذَا جَازَ نيه الْفَرْض فِي اللَّيْلَة الأولى مَعَ عدم جَوَاز النِّيَّة قبل سَبَب الْوُجُوب، كَمَا إِذا نوى قبل غرُوب الشَّمْس، وَلزِمَ قَضَاء الشَّهْر لمن كَانَ أَهلا لوُجُوب الصَّوْم فِي أول لَيْلَة مِنْهُ ثمَّ جن وَاسْتمرّ حَتَّى مضى الشَّهْر فأفاق، ولمجنون أَفَاق فِي لَيْلَة مِنْهُ ثمَّ جن قبل أَن يصبح وَاسْتمرّ حَتَّى مضى الشَّهْر فأفاق، فسببية الْجُزْء الأول فِي حَقه مُنْعَقد مَوْقُوفا أَن أَفَاق الْعقل وَإِلَّا فَلَا، وَلَو لم يَتَقَرَّر السَّبَب فِي حَقه لم يلْزمه الْقَضَاء. فَأجَاب المُصَنّف عَمَّا ذكر بقوله: (وَأما جَوَاز النِّيَّة من اللَّيْل وَوُجُوب الْقَضَاء على من أَفَاق) من جُنُونه

<<  <  ج: ص:  >  >>