(فِي لَيْلَة من رَمَضَان فَلِأَن اللَّيْل تَابع) للنهار (فِي الشّرف) أَي الشّرف الَّذِي هُوَ بِاعْتِبَار الظَّرْفِيَّة للصَّوْم فَلَا يُنَافِي استقلاله فِي الشّرف من حَيْثُ الْقيام للتهجد وَغَيره، فَإِن السَّبَبِيَّة بِاعْتِبَار ذَلِك الشّرف لَا مُطلق الشّرف (وتحققت ضَرُورَة فِي ذَلِك) أَي فِي جعل اللَّيْل تَابعا للنهار فِي جَوَاز النِّيَّة من اللَّيْل دفعا للْحَرج اللَّازِم لاشْتِرَاط قرَان النِّيَّة بِأول جُزْء من النَّهَار، وَلَا ضَرُورَة فِيمَا نَحن فِيهِ، وَلما كَانَ الْجَواب الْمَذْكُور متضمنا وجوب الصَّوْم على الْمَجْنُون اتجه أَن يُقَال إِن الْمَجْنُون لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّة الْخطاب فَكيف يجب عَلَيْهِ، وَالْقَضَاء فرع وجوب الأَصْل أجَاب عَنهُ بقوله (وَالْجُنُون لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الْوُجُوب بِالسَّبَبِ) يَعْنِي أَن الْوُجُوب على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا شغل الذِّمَّة بِالدّينِ من غير مُطَالبَة الْأَدَاء فِي الْحَال كشغل ذمَّة المُشْتَرِي بِالثّمن الْمُؤَجل قبل حُلُول الْأَجَل: وَهَذَا يَتَرَتَّب على السَّبَب كَالْبيع من غير خطاب الطّلب. وَالثَّانِي وجوب الأول، وَالْجُنُون لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الأول (بل) يُنَافِي أَهْلِيَّة الْوُجُوب (بِالْخِطَابِ) بِالسَّبَبِ شرعا فِي الْمَجْنُون وَمَا أشبهه (ليظْهر) أَثَره (فِي الْحَال فِي) الْوَاجِب (المالي غير الزَّكَاة) من نَفَقَة الزَّوْجِيَّة وَالْأَوْلَاد وَالْخَرَاج وَالْعشر وَضَمان الْمُتْلفَات، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ المَال ووصوله إِلَى الْمُسْتَحق وَهُوَ لَا يتَعَذَّر مَعَ الْجُنُون فَإِنَّهُ مِمَّا يحصل بالنائب، بِخِلَاف الْعِبَادَة الْمَحْضَة كَالزَّكَاةِ فَإِن الْمَقْصُود من إِيجَابهَا أَصَالَة نفس الْفِعْل ابتلاء ليظْهر الْمُطِيع من العَاصِي، وَهُوَ لَا يتَحَقَّق إِلَّا عَن اخْتِيَار الْعقل (و) ليظْهر (فِي المَال) أَي بعد الْإِفَاقَة (فَائِدَة الْقَضَاء) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة (بِلَا حرج) تَقْيِيد للْقَضَاء، احْتِرَاز عَمَّا إِذا لزم الْحَرج من إِيجَاب الْقَضَاء (وَهُوَ فِيهِ) أَي الْحَرج فِي الْقَضَاء (بِالْكَثْرَةِ اسْتِيعَاب الشَّهْر) عطف بَيَان للكثرة (جنونا) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الِاسْتِيعَاب: أَي اسْتِيعَاب الشَّهْر جنونا، فالمستوعب هُوَ الْجُنُون (وَفِيه) أَي فِي تَقْدِير الْكَثْرَة بالاستيعاب (تَأمل) إِذْ يلْزم من الْحَرج فِي قَضَاء الشَّهْر فِيمَا إِذا أَفَاق فِي سَاعَة من ليل أَو نَهَار، وَمَا يلْزم مِنْهُ فِي قَضَائِهِ لَو استوعبه لَا يبعد أَن يُقَال إِنَّمَا بنى الحكم على الِاسْتِيعَاب وَعَدَمه لمصْلحَة الضَّبْط، وَالْتزم الْحَرج الْوَاقِع فِي نقض الصُّور على سَبِيل الندرة، ثمَّ قد أيد قَول السَّرخسِيّ بِأَن كَون الْيَوْم معيارا للصَّوْم يُنَافِي كَون الْجُزْء الأول مِنْهُ سَببا، لِأَن سَبَب الْوُجُوب خَارج عَن مَحل الْأَدَاء لتقدم السَّبَب على الْمُسَبّب وَأجِيب بِأَن السَّبَب الشَّرْعِيّ قد يقارن الْمُسَبّب كالعلل الْعَقْلِيَّة كَمَا فِي الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل، وَفِيه تَفْصِيل ذكره فِي مَحَله، على أَن خُرُوج جُزْء لَا يتَجَزَّأ من الْيَوْم لَا يضر بمعياريته عرفا (و) إِنَّمَا قُلْنَا سَبَب الْوُجُوب (لِلْحَجِّ الْبَيْت للإضافة) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} - وَالْإِضَافَة من دَلَائِل السَّبَبِيَّة على مَا عرف (وَلذَا) أَي ولكونه سَببا للْوُجُوب (لم يتَكَرَّر) وجوب الْحَج لعدم تكَرر سَببه، وَأما الْوَقْت فَشرط جَوَاز أَدَائِهِ، والاستطاعة شَرط وُجُوبه (فاتفقوا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute