أَي الْمُتَأَخّرُونَ والمتقدمون فِي هَذِه الْأَسْبَاب (فِيمَا سوى) سَبَب (الصَّلَاة) كَذَا فسره الشَّارِح. وَفِيه أَنه سبق مَا يدل على الْخلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ من قَوْله: وَالْوَجْه قَول الْمُتَقَدِّمين إِلَى آخِره، وَبَين الْمُتَأَخِّرين فِي سَبَب الصَّوْم هَل هُوَ شُهُود الشَّهْر، أَو أول جُزْء من الْيَوْم؟ غير أَنه قَالَ: وَالَّذِي يظْهر فِيمَا سوى سَبَب الْأَيْمَان، لِأَن الْقَائِلين بِأَن سَبَب وجوب الصَّلَاة الْوَقْت مُرَادهم نعم الله تَعَالَى على الْعباد فِيهِ، وَأَنَّهَا قدرت بِالْوَقْتِ، فقد اتَّفقُوا على أَن السَّبَب لوُجُوبهَا النعم إِلَّا أَن مِنْهُم من خصصها بِنِعْمَة الْأَعْضَاء انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَو حمل قَول المُصَنّف على أَنهم اتَّفقُوا فِيمَا سوى الصَّلَاة من الْفُرُوع الْمَذْكُورَة لَا يرد اعتراضه بِاعْتِبَار سَبَب الْإِيمَان. وَأما قَضِيَّة الِاتِّفَاق على سَبَب الصَّلَاة فَإِنَّمَا يتم إِذا كَانَ سببيته النعم عِنْد الْمُتَأَخِّرين، وَالَّذِي يفهم من الْمَتْن أَنه قَول الْمُتَقَدِّمين، وَتَأْويل التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ من المُصَنّف وَأَمْثَاله، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَن الصَّلَاة كَغَيْرِهَا اتِّفَاقًا واختلافا على التَّوْفِيق بَين الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمه، فَالْوَجْه أَن يعرض عَن التوجيهات الرَّكِيكَة وَيحمل على سَهْو الْقَلَم فِي وضع الصَّلَاة مَوضِع الْإِيمَان، فَإِنَّهُ اخْتلف فِي سَببه هَل هُوَ حُدُوث الْعَالم أَو نعْمَة الْوُجُود إِلَى آخِره، وَمَا سواهُ مُتَّفق عَلَيْهِ بالتأويل الْمَذْكُور وَالله تَعَالَى أعلم. (و) سَبَب الْوُجُوب (لصدقة الْفطر الرَّأْس الَّذِي يمونه) أَي يقوم بكفايته وَيحمل ثقله (ويلي عَلَيْهِ). وَالْولَايَة نَفاذ القَوْل على الْغَيْر شَاءَ أَو أَبى، فَلَا يكون الرَّأْس سَببا إِلَّا بِهَذَيْنِ الوصفين، فَخرج الصَّغِير الَّذِي لَهُ مَال تجب نَفَقَته فِيهِ لَيست مُؤْنَته على الْغَيْر حَتَّى الْأَب عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف (وَالْإِضَافَة إِلَى الْفطر) فِي عرف أهل الشَّرْع فِي قَوْلهم: صَدَقَة الْفطر (الشَّرْط) لوُجُوبهَا صفة الْفطر، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجب عِنْد أَصْحَابنَا بِطُلُوع فجر يَوْم الْفطر (مجَاز) أَي فِي النِّسْبَة الإضافية، لِأَن حَقِيقَتهَا إِنَّمَا تتَحَقَّق بَين الحكم وَسَببه، وَإِنَّمَا حكم بمجازاتيها وَسَببه الرَّأْس (بِدَلِيل التَّعَدُّد) لوُجُوبهَا (بِتَعَدُّد الرَّأْس) فسر الشَّارِح التَّعَدُّد بالتقديرين وَقَالَ: لِأَن الرَّأْس لما صَار سَببا بِوَصْف الْمُؤْنَة، وَهِي تتجدد فِي كل وَقت بتجدد الْحَاجة، كَأَن الرَّأْس بتجددها متجدد تَقْديرا انْتهى، وَيرد على هَذَا أَن تعدد الْفطر حَقِيقِيّ لَا يحْتَاج إِلَى التَّقْدِير فَهُوَ أولى بالسببية بِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى، وَلَك أَن تحمل التَّعَدُّد بِتَعَدُّد الرَّأْس على تعدد الْوُجُوب بِاعْتِبَار مُتَعَلّقه وَهُوَ الصَّدَقَة، فَإِنَّهُ يجب فِي الرَّأْس الْوَاحِد صَدَقَة وَاحِدَة وَفِي الِاثْنَيْنِ صدقتان وَهَكَذَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر غير أَن تعدد الْوَاجِب فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة بِاعْتِبَار تعدد السَّبَب على وَجه يُنَاسب مَا فسر بِهِ، وَقد عرفت مَا فِيهِ (وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدّوا) يَعْنِي صَدَقَة الْفطر (عَمَّن تمونون أَفَادَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا، وَأفَاد قَوْله (تعلقهَا) أَي تعلق وجوب صَدَقَة الْفطر (بالمؤن) جمع مُؤنَة، وَالْجمع إِمَّا بِاعْتِبَار من تجب عَلَيْهِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَار من تجب عَنهُ، وَالْمرَاد تعلق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute