الْمُسَبّب بِالسَّبَبِ، وَذَلِكَ لِأَن من الانتزاعية دخلت على من يمونه وَلَا يحْتَمل هُنَا الأوجهين: أَحدهمَا أَن يكون سَببا لِلْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ، وَهُوَ الْمَطْلُوب، وَالثَّانِي أَن يكون محلا للْوُجُوب فِي الأَصْل ثمَّ يسري عَنهُ إِلَى الْمَأْمُور كسراية الدِّيَة عَن الْقَاتِل إِلَى الْعَاقِلَة، لَا سَبِيل إِلَيْهِ، لِأَن العَبْد الْمُسلم لَا مَال لَهُ فَلَا يُكَلف بِوُجُوب مَالِي، وَالْكَافِر لَيْسَ من أهل الْقرْبَة. وَلَا يُقَال: لم لَا يجوز أَن يجب على العَبْد ثمَّ يَنُوب الْمولى عَنهُ؟ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار مملوكيته الْتحق بالبهيمة فِي حق الْوُجُوب المالي، وَأورد عَلَيْهِ أَن الْجد إِذا كَانَت نوافله صغَارًا فِي عِيَاله لَا يجب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَنْهُم فِي ظَاهر الرِّوَايَة مَعَ أَنه يمونهم لَكِن فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يجب إخْرَاجهَا عَنْهُم (و) سَبَب الْوُجُوب (للعشر الأَرْض النامية بالحقيقي) أَي بالنماء الْحَقِيقِيّ بِأَن يُؤْخَذ محصولها (لِأَنَّهُ) أَي الْعشْر أَمر (إضافي) لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْوَاحِد من الْعشْرَة، فَمَا لم يتَحَقَّق خَارج لَا يتَحَقَّق عشره، وَهُوَ (عبَادَة) أَي مُؤنَة فِيهَا معنى الْعِبَادَة، وَقد مر بَيَانه (بِخِلَاف الْخراج) الموظف، فَإِن سَبَب وُجُوبه الأَرْض النامية (بالتقديري) أَي بالنماء التقديري (وَهُوَ) أَي التقديري (بالتمكن من الزِّرَاعَة) وَالِانْتِفَاع بِالْأَرْضِ، إِذْ هُوَ مُقَدّر بِمَا عين من الدَّرَاهِم، وَغَيره فِي بَدْء الْفَتْح غير مُتَعَلق بالخارج (فَكَانَ) الْخراج الموظف (عُقُوبَة) لما فِي الِاشْتِغَال بتحصيله بالزراعة من عمَارَة الدُّنْيَا والاعراض عَن الْجِهَاد، وَهُوَ سَبَب المذلة (مُؤنَة لَهَا) أَي الأَرْض لِأَنَّهُ سَبَب لبقائها فِي أَيدي أَرْبَابهَا، وَذَلِكَ لِأَن الْمُقَاتلَة يَذبُّونَ عَن الدَّار ويصونونها عَن الْكفَّار فَوَجَبَ الْخراج لَهُم ليتمكنوا من ذَلِك (فلزما) أَي الْعشْر وَالْخَرَاج (فِي مَمْلُوكَة الصَّبِي) أَي فِي أَرض هِيَ مَمْلُوكَة للصَّبِيّ، وَالْأَرْض الْمَوْقُوفَة، فَيجب فيهمَا الْعشْر إِن كَانَتَا عشريتين، وَالْخَرَاج إِن كَانَتَا خراجيتين (وَلم يجتمعا) أَي الْعشْر وَالْخَرَاج (فِي أَرض وَاحِدَة) عندنَا خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة لِأَنَّهُمَا حقان مُخْتَلِفَانِ ذاتا لما عرفت من معنى الْعِبَادَة فِي الْعشْر والعقوبة فِي الْخراج، ومحلا لِأَن الْعشْر فِي الْخَارِج وَالْخَرَاج فِي الذِّمَّة، وسببا لما عرفت من أَن سَبَب الْعشْر الأَرْض النامية بالنماء الْحَقِيقِيّ، وَسبب الْخراج بالنماء التقديري، ومصرفا فَإِن مصرف الْعشْر، الْفُقَرَاء ومصرف الْخراج الْمُقَاتلَة، وَلَا مُنَافَاة بَين حقين مُخْتَلفين بسببين مُخْتَلفين تحققا فِي كل وَاحِد، وَحجَّتنَا أَن اخْتِلَافهمَا ذاتا على الْوَجْه الْمَذْكُور يمْنَع اجْتِمَاعهمَا، وَفِيه مَا فِيهِ، وَلَا نسلم اخْتِلَافهمَا سَببا بل هُوَ الأَرْض النامية إِلَّا أَنه يعْتَبر فِي الْعشْر تَحْقِيقا، وَفِي الْخراج تَقْديرا، واتحاد السَّبَب يُوجب اتِّحَاد الحكم، فالسبب أَحدهمَا من غير جمع بَينهمَا كالدية وَالْقصاص (وَقد يُقَال جَازَ) أَن يكون السَّبَب (الْوَاحِد سَببا لمتعدد) الْأَحْكَام (كالعلة الْوَاحِدَة) أَي كَمَا جَازَ أَن تكون الْعلَّة الْوَاحِدَة عِلّة لمتعدد مِنْهَا كَالزِّنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute