للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَافْهَم (وَمَا أوردهُ الشَّافِعِيَّة) فِي كتبهمْ من هَذَا السُّؤَال فَهُوَ (من) النَّوْع (الثَّانِي) من الْقلب أَو الْمَعْنى: وَمَا أوردهُ من هَذَا الْجِنْس من الِاعْتِرَاض على أَدِلَّة الْحَنَفِيَّة فَهُوَ كَذَا. ثمَّ بَين مَا أوردهُ بقوله (وَهُوَ دَعْوَى تَجْوِيز ثُبُوت نقيض حكم الْمُسْتَدلّ فِي الْفَرْع) مُتَعَلق بالثبوت كَقَوْلِه (بوصفه) أَي بِوَصْف الْمُسْتَدلّ أَو حكمه. وَحَاصِله أَن الْمُعْتَرض يَدعِي مُنَاسبَة وَصفه لحكمين مناقضين بِاعْتِبَار تحَققه فِي المحلين: الأَصْل وَالْفرع، فقد أَشَارَ بِلَفْظ التجويز إِلَى هَذِه الْمُنَاسبَة (وَهُوَ) أَي مَا أوردهُ قِسْمَانِ: أَحدهمَا (قلب لتصحيح مذْهبه) أَي الْمُعْتَرض (ليبطل الْمُسْتَدلّ) أَي ليلزم مِنْهُ بطلَان مذْهبه لتنافيهما (كلبث) أَي كَقَوْل الْحَنَفِيّ: الِاعْتِكَاف يشْتَرط فِيهِ الصَّوْم لِأَنَّهُ لبث فِي مَكَان مَخْصُوص (ومجرده) أَي مُجَرّد اللّّبْث (غير قربَة كالوقوف) بِعَرَفَة فَإِن مجرده غير قربَة، وَإِنَّمَا صَار قربَة بانضمام عبَادَة إِلَيْهِ، وَهُوَ الْإِحْرَام فَلَا بُد من انضمام عبَادَة مَعَ اللّّبْث ليصير عبَادَة (فَيشْتَرط فِيهِ) أَي فِي الِاعْتِكَاف (الصَّوْم) لعدم ظُهُور مُنَاسبَة اعْتِبَار عبَادَة غَيره فِيهِ (فَيَقُول) الشَّافِعِي (فَلَا يشْتَرط) فِيهِ الصَّوْم (كالوقوف) أَي إِذا كَانَ الِاعْتِكَاف شَبيه الْوُقُوف بِعَرَفَة لزم أَن لَا يشْتَرط فِيهِ الصَّوْم كَمَا لَا يشْتَرط فِي الْوُقُوف. (و) الْقسم الآخر قلب (لإبطال) مَذْهَب (الْمُسْتَدلّ صَرِيحًا لتصحيح مذْهبه) أَي ليلزم مِنْهُ صِحَة مَذْهَب الْمُعْتَرض ضمنا (كالحنفي فِي الرَّأْس) أَي كَقَوْلِه فِي مسح الرَّأْس أَنه مُقَدّر بِالربعِ لِأَنَّهُ عُضْو (من أَعْضَاء الْوضُوء فَلَا يَكْفِي أَقَله) أَي مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الرَّأْس (كَبَقِيَّة الْأَعْضَاء) فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهَا غسل أدنى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم (فَيَقُول) الشَّافِعِي أَنه مسح عُضْو من أَعْضَاء الْوضُوء (فَلَا يقدر بِالربعِ كبقيتها) فقد أبطل الْمُعْتَرض مَذْهَب الْمُسْتَدلّ صَرِيحًا ليلزم تَصْحِيح مذْهبه ضمنا. وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن عدم التَّقْدِير بِالربعِ لَا يسْتَلْزم الِاكْتِفَاء بِالْأَقَلِّ، فَكيف يلْزم من إبِْطَال مَذْهَب الْمُسْتَدلّ تَصْحِيح مَذْهَب الْمُعْتَرض؟ أَشَارَ إِلَى دَفعه بقوله (ووروده) أَي الْقلب الْمَذْكُور فِي هَذَا الْمِثَال بِنَاء (على أَن المُرَاد) أَي مُرَاد القالب (اتفقنا) نَحن وَأَنْتُم أَيهَا الْحَنَفِيَّة على (أَن الثَّابِت أَحدهمَا) أَي أقل الرَّأْس أَو الرّبع، وَإِذا انْتَفَى أَحدهمَا ثَبت الآخر، وَإِلَّا فَلَا يلْزم من نفي الرّبع الأول لجَوَاز الِاسْتِيعَاب كَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك، وَفِيه نظر، وَهُوَ أَن كلا من المتخاصمين تعين عِنْده مذْهبه، وَإِذا أبطل أَحدهمَا مَذْهَب الآخر لم يثبت علية مَذْهَب الْمُبْطل، بل يجوز حِينَئِذٍ الثَّالِث: نعم لَو لم يكن فِي الْوُجُود إِلَّا المذهبان كَانَ يلْزم الْإِجْمَاع على نفي الثَّالِث فَتَأمل (أَو) لإبطال مَذْهَب الْمُسْتَدلّ (التزاما كَقَوْلِه) أَي الْحَنَفِيّ (فِي بيع غير المرئي: عقد مُعَاوضَة فَيصح مَعَ الْجَهْل بِالْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ، فَيَقُول) الشَّافِعِي عقد مُعَاوضَة (فَلَا يثبت فِيهِ خِيَار الرُّؤْيَة) كَمَا لَا يثبت فِي النِّكَاح، فالمعترض لم يتَعَرَّض لإبطال مَذْهَب الْخصم، وَهُوَ القَوْل بِالصِّحَّةِ صَرِيحًا

<<  <  ج: ص:  >  >>