للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الِاجْتِهَاد من الْمُسلم أَشد فِي الْإِثْم لِأَنَّهُ قد ظهر عِنْده حقية الْإِسْلَام قبل هَذَا الِاجْتِهَاد، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن مَقْصُود الجاحظ من نفي الْإِثْم عدم الخلود فِي النَّار وَعدم الخلود فِي حق من لم يَتَّصِف بِالْإِسْلَامِ فَقَط أبعد من عَدمه فِي حق من اتّصف بِهِ ثمَّ صدر مِنْهُ مَا لَيْسَ بإثم فَتَأمل (وتجري عَلَيْهِ) أَي على النَّافِي الْمَذْكُور فِي الدُّنْيَا (أَحْكَام الْكفَّار) لِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى إِجْرَاء أَحْكَام الْمُسلمين عَلَيْهِ لعدم الْإِسْلَام، وَلَا وَاسِطَة فِي الدُّنْيَا بَين أَحْكَام الْكفَّار وَأَحْكَام الْمُسلمين. فَإِذا انْتَفَى إِحْدَاهمَا تعين الْأُخْرَى (وَهُوَ) أَي نفي الْإِثْم (مُرَاد الْعَنْبَري بقوله الْمُجْتَهد) أَي كل مُجْتَهد (فِي العقليات مُصِيب، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَاده من الْإِصَابَة نفي الْإِثْم (اجْتمع النقيضان فِي نفس الْأَمر) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم أَن يكون مُرَاده مُطَابقَة مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده نفس الْأَمر، إِذْ لَا سَبِيل إِلَى مَا يُرَاد بهَا فِي العمليات، وَهُوَ كَون مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد حكم الله تَعَالَى بِمَعْنى خطابه الْمُتَعَلّق بِفعل العَبْد يجوز أَن يكون مُتَعَلق خطاب الْمُجْتَهد مُخَالفا لمتعلق خطاب مُجْتَهد آخر فِي مسئلة وَاحِدَة، وَذَلِكَ لِأَن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعَمَل بِخِلَاف العقليات. فَإِن الْمَطْلُوب فِيهَا الِاعْتِقَاد كمضمون خبري مُطَابق للْوَاقِع فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمَطْلُوب من زيد اعْتِقَاد حُدُوث الْعَالم وَمن عَمْرو قدمه لِأَن أَحدهمَا غير مُطَابق قطعا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي نفس الْأَمر احْتِرَازًا عَن اجْتِمَاعهمَا فِي المطلوبية صُورَة كَمَا فِي العمليات، وَإِنَّمَا قُلْنَا صُورَة إِذْ لَيْسَ الْمَطْلُوب من الآخر حَقِيقَته لعدم اتِّحَاد الْمَطْلُوب مِنْهُ، هَذَا وَفِيه رد على السُّبْكِيّ حَيْثُ نفى أَن يكون مُرَاد الْعَنْبَري نفي الْإِثْم، فَإِن ذَلِك مَذْهَب الجاحظ، بل كَون مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده حكم الله وَافق نفس الْأَمر أَولا، وَوَافَقَهُ الْكرْمَانِي، ورد عَلَيْهِمَا الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِأَن الْكَلَام فِي العقليات الَّتِي لَا دخل فِيهَا لوضع الشَّارِع ككون الْعَالم قَدِيما وَكَون الصَّانِع مُمكن الرُّؤْيَة. ثمَّ قيل أَنه عمم فِي العقليات بِحَيْثُ شَمل أصُول الديانَات وَأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس على صَوَاب. وَقيل أُصُولهَا الَّتِي يخْتَلف فِيهَا أهل الْقبْلَة، وَهَذَا وَإِن كَانَ أنسب بِحَال الْمُسلم غير أَن دليلهم يُفِيد التَّعْمِيم كَمَا سَيَجِيءُ. (لنا إِجْمَاع الْمُسلمين قبل الْمُخَالف) أَي الجاحظ والعنبري وَمن تبعهما (من الصَّحَابَة وَغَيرهم) بَيَان للْمُسلمين (من لَدنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ حَال من الْإِجْمَاع أَي مبتدئا من زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى زمَان الْمُخَالف، ترك ذكر الْغَايَة للظهور (وهلم عصرا تلو عصر) أَرَادَ بِهِ اسْتِيعَاب الْأَعْصَار فِيمَا بَين الْمُبْتَدَأ والمنتهى الْمَذْكُورين، وهلم اسْم فعل، وعصرا مَفْعُوله، يَعْنِي أحضر عصرا بعد عصر فِي نظرك إِلَى أَن تستوعب الْأَعْصَار، فَهَلُمَّ اسْم فعل لَا يتَصَرَّف، أَصله هالم بِمَعْنى اقصد حذفت الْألف (على قتال الْكفَّار) مُتَعَلق بِالْإِجْمَاع (وَأَنَّهُمْ فِي النَّار) مَعْطُوف على الْقِتَال (بِلَا فرق بَين مُجْتَهد ومعاند) وَهُوَ الَّذِي اخْتَار الْكفْر

<<  <  ج: ص:  >  >>