من غير اجْتِهَاد مُكَابَرَة (مَعَ علمهمْ) أَي الْمُسلمين المجمعين (بِأَن كفرهم لَيْسَ بعد ظُهُور حقية الْإِسْلَام لَهُم) مُتَعَلق بالظهور، وَالضَّمِير للْكفَّار، فَلَا يرد أَن إِجْمَاع الْمُسلمين على قِتَالهمْ إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ على اجتهادهم بعد ظُهُور حقيته كاجتهاد من يجْتَهد فِي الْفُرُوع فِي مُقَابلَة الْقطع فِي عدم الصِّحَّة كَمَا أَن صِحَة الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع مَوْقُوفَة على عدم الْقطع فِي مَحل الِاجْتِهَاد فَكَذَلِك صِحَّته فِي الْأُصُول أَعنِي العقائد مَوْقُوفَة على عدم حقيتها، وَمن هَذَا لَا يلْزم عدم صِحَة الِاجْتِهَاد فِيهَا إِذا لم تظهر حقيتها قبل الِاجْتِهَاد، فَلَا يلْزم بطلَان مَذْهَب الجاحظ لِأَن مُرَاده عدم الْإِثْم على من يجْتَهد اجْتِهَادًا صَحِيحا (وَالْأول) أَي الْإِجْمَاع على قِتَالهمْ (لَا يجْرِي) دَلِيلا على تأثيم الْمُجْتَهد مِنْهُم بِنَاء (على) رَأْي (الْحَنَفِيَّة الْقَائِلين) ب (وُجُوبه) أَي وجوب قِتَالهمْ (لكَوْنهم حَربًا) أَي عدوا مُحَاربًا، يَسْتَوِي فِيهِ الْجمع وَالْوَاحد وَالذكر وَالْأُنْثَى (علينا لَا لكفرهم) يَعْنِي لَو كَانَ سَبَب قتال الْكفَّار الَّذين أدّى اجتهادهم إِلَى الْكفْر كفرهم كَانَ يلْزم تأثيمهم لِأَن الْكفْر الَّذِي لَا إِثْم فِيهِ لَا يصلح سَببا لِلْقِتَالِ، وَأما إِذا كَانَ سَببه دفع غلبتهم الْمُوجبَة لهدم الْإِسْلَام فَلَا يلْزم كَونهم آثمين فِي كفرهم الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم، فَلَيْسَ للحنفية أَن يحتجوا على الجاحظ بِالْإِجْمَاع على الْقِتَال (وَإِنَّمَا لَهُم الْقطع) فِي تأثيمهم على الْإِطْلَاق سَوَاء كفرهم بِالِاجْتِهَادِ أَو لَا (بالعمومات) الدَّالَّة على ذَلِك (مثل) قَوْله تَعَالَى و ({ويل للْكَافِرِينَ}) فَإِنَّهُ يعم الْمُجْتَهد وَغَيره وَقَوله تَعَالَى ({وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين}) سَوَاء كَانَ ابتغاؤه لذَلِك بِالِاجْتِهَادِ أَو لَا، وَهَذَا الْقطع (إِمَّا من الصِّيغَة) الْمَوْضُوعَة للْعُمُوم كالمحلى بلام الِاسْتِغْرَاق والموصول كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة من أَن مَدْلُول الْعَام قَطْعِيّ (أَو) من (الاجماعات) الكائنة من الصَّدْر الأول من قبل ظُهُور الْمُخَالف (على عدم التَّفْصِيل) فِي كفرهم وَعدم الْفرق بَين أَن يكون عَن اجْتِهَاد وَبَين أَن لَا يكون عَنهُ، وَهَذَا من قبل الْكل الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم. (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِنَفْي الْإِثْم عَن الْمُجْتَهد فِي الْإِسْلَام (تكليفهم) أَي مجتهدي الْكفَّار (بنقيض مجتهدهم) على صِيغَة الْمَفْعُول: أَي بنقيض مَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم، وَهُوَ الْإِسْلَام فَفِيهِ حذف واتصال، أَصله مُجْتَهد فِيهِ تَكْلِيف (بِمَا لَا يُطَاق لِأَنَّهُ) أَي نقيض مجتهدهم وَهُوَ التَّصْدِيق الإسلامي (كَيفَ) غير اخْتِيَاري فَإِنَّهُ علم، وَالْعلم من مقولة الكيف (لَا فعل) وَهُوَ التَّأْثِير لقَوْله الكيف الصَّادِر اخْتِيَارا، فَإِذا لم يكن مجتهدهم مُكَلّفا بخصوصية الْإِسْلَام. وَلَا شكّ أَنه مُكَلّف (فالمكلف بِهِ اجْتِهَاده) فِي تَحْصِيل الْإِسْلَام (وَقد فعل) مَا كلف بِهِ فَخرج عَن عُهْدَة الِامْتِثَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ. (الْجَواب منع فعله) أَي لَا نسلم أَنه فعل مَا كلف بِهِ (إِذْ لَا شكّ أَن على هَذَا الْمَطْلُوب) الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام (أَدِلَّة قَطْعِيَّة ظَاهِرَة) فِي نفس الْأَمر بِحَيْثُ (لَو وَقع النّظر فِي موادها)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute