للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقصاص علم بِهِ أَولا: كَمَا لَو قتل رجلا يظنّ أَنه قتل وليه ثمَّ جَاءَ وليه حَيا (و) مثل (المحتجم) فِي نَهَار رَمَضَان (إِذا ظَنّهَا) أَي الْحجامَة (فطرته) فَأفْطر بعْدهَا (لَا كَفَّارَة) عَلَيْهِ: وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاء (لِأَن) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم (أورث شُبْهَة فِيهِ) أَي فِي وجوب الْكَفَّارَة بِالْفطرِ بعد الْحجامَة (وَهَذِه الْكَفَّارَة يغلب فِيهَا معنى الْعقُوبَة) على الْعِبَادَة عندنَا (فتنتفى بِالشُّبْهَةِ) وَهَذَا يدل على أَن الْعَاميّ إِذا اعْتمد على الحَدِيث غير عَالم بتأويله ونسخه فَفعل مَا يُوجب الْكَفَّارَة كَانَ ذَلِك مورثا للشُّبْهَة فِي حَقه. كَمَا أَن قَول الْمُعْتَمد فِي الْفَتْوَى فِي الْبَلَد يُورثهَا بِحَيْثُ لَو أفطر الْعَاميّ بقوله لَا تلْزمهُ الْكَفَّارَة، بل الحَدِيث أولى بذلك، وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْكَفَّارَة إِذْ لَيْسَ للعامي الْأَخْذ بِظَاهِر الحَدِيث لجَوَاز كَونه مصروفا عَن ظَاهره أَو مَنْسُوخا، بل عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى الْفُقَهَاء، وَإِذا لم يسْتَند ظَنّه إِلَى دَلِيل شَرْعِي وَأفْطر يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جهل مُجَرّد، وَهُوَ لَيْسَ بِعُذْر فِي دَار الْإِسْلَام (وَمن زنى بِجَارِيَة وَالِده) أَو والدته (أَو زَوجته) حَال كَونه (يظنّ حلهَا لَا يحد) عِنْد الثَّلَاثَة، وَقَالَ زفر يحد وَلَا عِبْرَة بظنه الْفَاسِد: كَمَا لَو وطئ جَارِيَة أَخِيه وَعَمه يظنّ الْحل (للاشتباه) لِأَن بَين الْإِنْسَان وَأَبِيهِ وَأمه وَزَوجته انبساطا فِي الِانْتِفَاع بِالْمَالِ، بِخِلَاف الْأَخ وَالْعم (وَلَا يثبت نسب) بِهَذَا الْوَطْء وَإِن ادَّعَاهُ الْوَاطِئ (وَلَا عدَّة) أَيْضا على الْمَوْطُوءَة بِهَذَا الْوَطْء (لما) عرف (فِي مَوْضِعه) إِذْ لَا حق لَهُ فِي الْمحل، وللعاهر الْحجر، وَلَا عدَّة عَن الزِّنَا، وَتسَمى هَذِه شُبْهَة فِي الْفِعْل يسْقط بهَا الْحَد على من اشْتبهَ عَلَيْهِ، لَا على من لَا يشْتَبه عَلَيْهِ، بِخِلَاف الشُّبْهَة فِي الْمحل كَوَطْء الْأَب جَارِيَة ابْنه، فَإِنَّهُ لَا يحد، وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا حرَام، لِأَن الْمُؤثر فِيهِ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك، وَيثبت النّسَب إِذا ادَّعَاهُ، وَتصير أم ولد لَهُ. وَعند أبي حنيفَة شُبْهَة أُخْرَى دارئة للحد، وَهِي شُبْهَة العقد سَوَاء علم الْحُرْمَة أم لَا كَوَطْء الَّتِي تزَوجهَا بِغَيْر شُهُود (وَكَذَا حَرْبِيّ دخل دَارنَا فَأسلم فَشرب الْخمر جَاهِلا بِالْحُرْمَةِ لَا يحد) لِأَنَّهُ فِي مَوضِع الشُّبْهَة لحلها فِي وَقت: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَالْوَجْه لحلها فِي بعض الْأَدْيَان لما سَيَأْتِي (بِخِلَاف مَا إِذا زنى) بعد دُخُوله دَارنَا وإسلامه (لِأَن جَهله بِحرْمَة الزِّنَا لَا يكون شُبْهَة لِأَن الزِّنَا حرَام فِي جَمِيع الْأَدْيَان فَلَا يكون جَهله عذرا، بِخِلَاف الْخمر) لعدم حُرْمَة شربهَا فِي سَائِر الْأَدْيَان (فَمَا فِي الْمُحِيط وَغَيره: شَرط الْحَد أَن لَا يظنّ الزِّنَا حَلَالا مُشكل) فَإِنَّهُ يدل على أَن جَهله بحرمته وظنه الْحل عذر يسْقط بِهِ الْحَد عَنهُ، وَقد قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَنقل فِي اشْتِرَاط الْعلم بِحرْمَة الزِّنَا إِجْمَاع الْفُقَهَاء (بِخِلَاف الذِّمِّيّ أسلم فَشرب الْخمر) وَقَالَ لم أعلم بحرمتها، وَقَوله: أسلم صفة للذِّمِّيّ لكَونه فِي معنى النكرَة كَقَوْلِه: وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني (يحد لظُهُور

<<  <  ج: ص:  >  >>