للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحكم) أَي حُرْمَة الْخمر لشيوعها (فِي دَار الْإِسْلَام) وَهُوَ مُقيم بهَا (فجهله) بحرمتها مَعَ شيوعها فِيهِ (لتَقْصِيره) فِي طلب مَعْرفَتهَا فَلَا يكون عذرا فِي دَرْء الْحَد وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا وجد فرْصَة أمكنه تَحْصِيل الْعلم فِيهَا، فَأَما فِي بَدْء إِسْلَامه فَلَا يحكم بتقصيره، وَترك طلب معرفَة الْأَحْكَام فِي زمَان الْكفْر لَا يُوجب التَّقْصِير، على أَن الْإِسْلَام يمحو مَا قبله الْقسم (الثَّالِث: جهل يصلح عذرا كمن أسلم فِي دَار الْحَرْب) أَي كجهل من أسلم فِيهَا (فَترك بهَا صلوَات جَاهِلا لُزُومهَا فِي الْإِسْلَام لَا قَضَاء) عَلَيْهِ إِذا علمه بعد ذَلِك لعدم تَقْصِيره لعدم اشتهار الْأَحْكَام فِي دَار الْحَرْب. وَقَالَ زفر: عَلَيْهِ الْقَضَاء لالتزامه الْأَحْكَام بِالْإِسْلَامِ وَإِن قصر عَنهُ خطاب الْأَدَاء وَهُوَ لَا يسْقط الْقَضَاء بعد تقرر السَّبَب: كالنائم إِذا انتبه بعد مُضِيّ الْوَقْت (وكل خطاب ترك وَلم ينتشر فجهله عذر) لانْتِفَاء التَّقْصِير، يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} مَا لم يتَعَلَّق علمهمْ بحرمته، سَوَاء لم يحرم أصلا أَو حرم وَلم ينتشر خَبره (للَّذين شربوا) الْخمر (بعد تَحْرِيمهَا غير عَالمين) بحرمتها، فَقَوله للَّذين مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره لقَوْله تَعَالَى - {لَيْسَ على الَّذين} - منزلا للَّذين شربوا، ولبيان حكم شربهم، روى أَن بعض الصَّحَابَة كَانُوا فِي سفر فَشَرِبُوا بعد التَّحْرِيم غير عَالمين بحرمتها فَنزلت. وَعَن ابْن كيسَان لما نزل تَحْرِيم الْخمر وَالْميسر، قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: كَيفَ بإخواننا الَّذين مَاتُوا وَقد شربوا الْخمر وأكلوا الميسر؟ وَكَيف بالغائبين عَنَّا فِي الْبلدَانِ لَا يَشْعُرُونَ بتحريمها وهم يطعمونها؟ فَإِذا نزل الله تَعَالَى (بِخِلَافِهِ) أَي الْخطاب (بعد الانتشار) فَإِن جَهله لَيْسَ بِعُذْر. وَيَنْبَغِي أَن يُرَاد بِهِ الانتشار فِي بلد الْمُكَلف، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بَلَده بَعيدا عَن مهبط الْوَحْي وَعَن الْبلدَانِ الَّتِي انْتَشَر فِيهَا فعذره وَاضح: وَظَاهر هَذِه الْعبارَة أَن الْجَهْل بعد تحقق الانتشار لَيْسَ بِعُذْر سَوَاء كَانَ الانتشار فِي بَلَده أَولا، وَيُؤَيِّدهُ إِطْلَاق قَوْلهم: الْجَهْل فِي دَار الْإِسْلَام لَيْسَ بِعُذْر لاستفاضة الْأَحْكَام وشيوعها فِيهَا والاستفاضة فِيهَا أُقِيمَت مقَام الْعلم: فعلى هَذَا كَون الْجَهْل عذرا يخص بابتداء الْإِسْلَام، لَكِن مُقْتَضى الدَّلِيل مَا ذَكرْنَاهُ، إِذْ لَا وَجه لإِقَامَة الاستفاضة فِي غير بَلَده مقَام الْعلم وَإِن كَانَ بَعيدا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُؤَاخذ بترك المهاجرة لطلب الْعلم مَعَ قدرته عَلَيْهَا (لِأَنَّهُ) أَي جَهله بعد الانتشار (لتَقْصِيره) فِي طلب مَا يجب عَلَيْهِ (كمن لم يطْلب المَاء فِي الْعمرَان فَتَيَمم وَصلى لَا يَصح) تيَمّمه فَلَا تصح صلَاته (لقِيَام دَلِيل الْوُجُود) وَهُوَ الْعمرَان لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن المَاء غَالِبا (وَتَركه الْعَمَل) بِالدَّلِيلِ وَهُوَ طلبه فِيهِ. هَذَا إِذا لم يستكشفه، أما لَو استكشفه فَلم يجده فِيهِ فقد صرح بِجَوَازِهِ الْبَعْض وَهُوَ الْوَجْه، وَالتَّقْيِيد بالعمران أَن يدل على أَنه لَو ترك الطّلب فِي المفارة

<<  <  ج: ص:  >  >>