ثَلَاثَة مَذَاهِب (الْإِبَاحَة) أَي عدم الْحَرج هُوَ قَول معتزلة الْبَصْرَة وَكثير من الشَّافِعِيَّة وَأكْثر الْحَنَفِيَّة قَالُوا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّد فِيمَن هدد بِالْقَتْلِ على أكل الْميتَة أَو شرب الْخمر فَلم يفعل حَتَّى قتل بقوله خفت أَن يكون إِثْمًا، لِأَن أكل الْميتَة وَشرب الْخمر لم يحرما إِلَّا بِالنَّهْي عَنْهُمَا فَجعل الْإِبَاحَة أصلا وَالْحُرْمَة بِعَارِض النَّهْي (والحظر) أَي الْحُرْمَة: وَهُوَ قَول معتزلة بَغْدَاد وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (وَالْوَقْف) وَهُوَ قَول بعض الْحَنَفِيَّة مِنْهُم أَبُو مَنْصُور الماتريدي وَصَاحب الْهِدَايَة وَعَامة أهل الحَدِيث وَنقل عَن الأشعرية (و) يُقَال (على الْأَوَّلين) الْإِبَاحَة والحظر (إِن الحكم بتعلق) حكم (معِين) بِفعل عقلا (فرع معرفَة حَال الْفِعْل) ليعلم أَنه هَل فِيهِ جِهَة محسنة أَو مقبحة على مَا تقدم من التَّقْسِيم أَولا، فَإِذا علم أَنه لَيْسَ فِيهِ شَيْء من ذَلِك حكم بعد ذَلِك الْمُبِيح بِالْإِبَاحَةِ والحاظر بالحظر (فَإِذا قَالَ الْمُبِيح بِنَاء على منع الْحصْر) يَعْنِي إِذا قَالَ لَيْسَ فِيهِ شَيْء من تِلْكَ الْجِهَات فَهُوَ مُبَاح فَمنع الْخصم الْحصْر فِي تِلْكَ الْجِهَات فالإباحة لجَوَاز الْحَظْر، قَالَ الْمُبِيح بِنَاء على هَذَا الْمَنْع (خلق) الله (العَبْد و) خلق (مَا يَنْفَعهُ) من الْأَفْعَال (فَمَنعه) من هَذَا الْفِعْل (و) الْحَال أَنه (لَا ضَرَر) فِي هَذَا الْفِعْل: إِذْ الْمَفْرُوض أَنه لَيْسَ فِيهِ جِهَة مقبحة (إخلال بفائدته) أَي خلقهما (وَهُوَ) أَي الْإِخْلَال (الْعَبَث) أَي ملزوم الْعَبَث وَهُوَ الْخلق بِلَا فَائِدَة (فمراده) أَي الْمُبِيح (وَهُوَ) أَي والعبث (نقيصة تمْتَنع عَلَيْهِ تَعَالَى) يَعْنِي هَذِه الْمُقدمَة مطوية منوية فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال (والحاظر) يَعْنِي إِذا قَالَ الحاظر بِنَاء على منع الْحصْر فِي تِلْكَ الْجِهَات والحظر لجَوَاز الْإِبَاحَة لَا سَبِيل إِلَيْهَا لِأَنَّهُ (تصرف فِي ملك الْغَيْر فمراده) أَي الحاظر أَن التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر (يحْتَمل الْمَنْع) وَإِن لم يتَعَيَّن (فالاحتياط الْعقلِيّ مَنعه) أَي العَبْد، إِذْ على تَقْدِير عدم التَّصَرُّف لَا يلْزم مَحْذُور، وعَلى تَقْدِير التَّصَرُّف يحْتَمل لُزُومه، وَالْعقل يحكم بترك مَا يحْتَمل الْمَحْذُور إِلَى مَا لَا يحْتَملهُ (فَانْدفع) بِهَذَا التَّقْرِير (مَا قيل على) دَلِيل (الْحَظْر) من منع بطلَان التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر مُسْتَندا (بِأَن من ملك بحرا لَا ينفذ واتصف بغاية الْجُود، كَيفَ يدْرك الْعقل عُقُوبَته عَبده بِأخذ قدر سمسمة مِنْهُ) أَي الْبَحْر (لِأَنَّهُ) أَي الحاظر (لم يبن الْحَظْر على دَرك) الْعقل (ذَلِك) الْمَنْع (بل على احْتِمَاله) أَي مَنعه بِاعْتِبَار (أَنه تصرف فِي ملك الْملك بِلَا إِذْنه فيحتاط بِمَنْعه، و) انْدفع أَيْضا (منع أَن حُرْمَة التَّصَرُّف عَقْلِي بل سَمْعِي، وَلَو سلم) أَنه عَقْلِي (فَفِي حق من يتَضَرَّر) بذلك، وَالله سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك (وَلَو سلم) أَن التَّصَرُّف فِي حق كل مَالك مَمْنُوع عقلا (فمعارض بِمَا فِي الْمَنْع من الضَّرَر الناجز، وَدفعه) أَي الضَّرَر الناجز (عَن النَّفس وَاجِب عقلا وَلَيْسَ تَركه) أَي الْفِعْل (لدفع ضَرَر خوف الْعقَاب) الْحَاصِل من التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر (أولى من الْفِعْل) المستلزم لدفع الضَّرَر الناجز بل بِاعْتِبَار العاجل أولى (مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute