للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن اليهودية والمسيحية في وقت تأسيسها لم تتح لهما الفرصة لإقامة علاقات مع دول معادية. فدعوة عيسى السلمية المحلية كانت تناقضها في اتجاه مضاد الحروب التي قادها موسى ضد الأمم المجاورة والتي انتهت بالقضاء عليها بسرعة. ولقد اختلف الوضع تماما بالنسبة لمحمد صلّى الله عليه وسلم خلال العشر سنوات التي كان فيها على علاقات دائمة مع أمم وديانات مختلفة، تارة مسالمة وتارة معادية.

إن هذه الظروف الخاصة التي جعلت من المرشد الروحي والأخلاقي صلّى الله عليه وسلم سياسيا وقائدا، اقتضت تشريعا أخلاقيا لظروف السلم والحرب تضمن القرآن مبادئه الأساسية. ومن هذه المباديء أن الحرب الشرعية لا تقوم إلا من أجل دفع العدوان (١) ويجب أن تتوقف بمجرد انتهائه (٢). وهناك بعد ذلك المبدأ الذي يحترم المواثيق المبرمة مع العدو مهما كانت فرص عقدها غير متكافئة. فالمعاهدة الموقعة بين الأطراف واجبة الاحترام حتى ولو كانت في غير صالحنا (٣). وحتى إذا بدأ العدو في نقض اتفاقه، فلا يحق لنا أن نهاجمه على غرة، بل يجب أولا إعلانه بإلغاء عهده معنا بطريقة واضحة بحيث يتيسر له العلم بقرارنا (٤) (،٥). وهذا بخلاف القواعد التي حددتها السنة والتي نجحت - إن لم يكن في القضاء على هذه الآفة - فعلى الأقل في التخفيف من نتائجها القاسية.

***


(١) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة: ١٩٠].
(٢) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ [الأنفال: ٦١].
(٣) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً .. وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ [النحل: ٩١ - ٩٢).
(٤) وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ [الأنفال: ٥٨].
(٥) ولقد أخطأ جولد سيهر عند ترجمة هذه الآية وكذلك كازمرسكي وأيضا سفاري فترجموها بمعنى «عامله بمثل معاملته الخائنة» وهذا يتناقض مع نهاية نفس الآية: إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ.

<<  <   >  >>