للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فتور الوحي وانقطاعه مؤقتا]

ولكن حياة ورقة لم تدم طويلا وإن كانت هذه الكلمات المطمئنة قد ألقت ضوء الأمل في هذه النفس القلقة لهذا الإنسان الشغوف بالعلم والباحث عن الوضوح واليقين، أي هذه العقلية الموضوعية، وسوف نرى أن هذا الأمل لم يكن قويا ولم يدم طويلا. إذ كان طبيعيا أن يتصور محمد صلى الله عليه وسلم تحقق هذا العلم الموعود، الذي أعلنه له صوت الحق، في الأيام التالية. فكان يعود دائما في طلب الدرس الثاني في ذات المكان الذي تلقى فيه الدرس الأول. وكان يجلس مجلسه الأول ويجوب الجبل ويدور بنظره في كل اتجاه والأيام تتلو الأيام والأسابيع تتوالى والشهور تتبع الشهور ومضى العام وبدأ العام الثاني، وكما يقول الشعبي ثم الثالث أيضا وهو في انتظار مجيء الملك. وفي كل مرة يصل فيها إلى حافة اليأس كان يرى ويسمع «يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل» كانت هذه الكلمات تلقي في نفسه شيئا من السكينة إلا أن الوحي الحقيقي كان يطول انتظاره فيغمره الحزن والضيق من جديد. فقال بعض الناس: لم يكن ذلك إلا لوثة من الجنون.

وافترض آخرون فيما بعد أن الأمر كان يتعلق فعلا بمنحة سماوية عظيمة، إلا أن ما أظهره محمد صلى الله عليه وسلم من ضعف الاحتمال جعله يبدو كما لو كان غير جدير بهذا النداء الرباني فنزلت آيتان (١) (،٢). لتردا عنه هذه المخاوف ولكنهما لم تمنحاه التعاليم المنتظرة.

استئناف الوحي بوصفه رسولا بالإضافة إلى وصفه نبيّا:

ولقد شارف محمد صلى الله عليه وسلم عامه الرابع والأربعين. وكان يسهر شطرا طويلا من الليل انتظارا لهذا القول «الثقيل المترقب»، بل لقد تعود منذ مقابلة الوحي الأولى أن ينعزل في جبل حراء في نفس الفترة في شهر رمضان وأخيرا عندما أتم عزلته


(١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم: ٢] ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [الضحى - ٣].
(٢) يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) [المزمل: ١ - ٥].

<<  <   >  >>