ولكن أي ضمان تاريخي يستطيع أن يتحصل عليه الإنسان عند وضع مثل هذه الخطة، إزاء الأحداث المستقبلة، ومتطلباتها التشريعية، والحلول المنشودة لها، فضلا عن الشكل اللغوي الذي يجب أن تقدم به هذه الحلول، وتوافقها الأسلوبي مع هذه السورة بدلا من تلك؟ وكيف يمكن مجرد تجميع وتقريب هذه القطع المبعثرة بعضها من بعض بدون تعديل أو لحام أو وصلات - رغم تنوعها الطبيعي وتفرقها التاريخي - أن يجعل منها وحدة عضوية متجانسة يتوافر فيها ما نرجوه من التماسك والجمال؟ ألا يصدر مثل هذه المشروع، وقد بلغ هذا المبلغ من الطموح، إلا عن حلم خيالي، أو عن قوة فوق قدرة البشر؟. وبمعنى آخر إذا كان الاضطراب في النظام المنطقي أو الخلل اللغوي والبلاغي، هما النتيجة الحتمية لمثل هذا المشروع إذا اضطلع به إنسان لما يشتمل عليه من تعقيد محير، ألا ينبغي أن نستنتج من هذه المقدمات ذاتها، أن اكتمال هذه الخطة وتحقيقها بالصورة المرجوة، يتطلب تدخلا من قوة عظمى، تتوفر فيها القدرة على إقامة مثل هذا التنسيق المنشود؟ وإلا فمن هو المخلوق الذي يستطيع أن يوجه الأحداث بما يتوافق تماما مع هذا التصميم المرسوم، أو كيف يمكن أن نخرج من مجموعة مصادفات بمثل هذا البناء الأدبي الرفيع وهو القرآن؟
فإذا كانت السورة القرآنية من نتاج هذه الظروف، تكون وحدتها المنطقية والأدبية في نظرنا معجزة المعجزات. ولقد صرح بوجود هذه الوحدة المزدوجة كثير من ذوي الاختصاص في هذا الشأن، ومن بينهم: أبو بكر النيسابوري وفخر الدين الرازي وأبو بكر بن العربي وبرهان الدين البيقاعي (١) وأبو اسحق الشاطبي.
ولمراجعة هذا على بعض المختارات من القرآن - نشير إلى كتابنا السابق «النبأ العظيم».
وإننا لا ندعي أن هذه المختارات تمثل نموذجا مطابقا لباقي سور القرآن، وإلا نكون قد فصلنا في أمر تجريبي بناءا على حكم سابق. والواقع أنه قد يصعب في
(١) أبو الحسن ابراهيم بن عمر البيقاعي شافعي من القرن التاسع الهجري واستاذ السيوطي الذي خصص لهذا الموضوع فصلا كاملا من كتاب «الاتقان» المجلد الثاني ص ١٠٨.