ولكن اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم: «نحن أمة أمية؛ ما أنا بقارئ» ومسلكه طوال حياته وشهادة أتباعه، واعتراضات أعدائه، وتصريح القرآن المدوي، كل هذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان «أميا». وكل محاولة غرضها إثبات العكس هي أضعف من أن تزعزع هذه الحقيقة. لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن يعيش على كوكب آخر، وحياته معروفة في أدق تفاصيلها وقومه ليسوا بهذه السذاجة. وإذا كان يعرف القراءة حقا، ألم يكن من المحتمل أن ينظر مرة إلى مراسلاته أو إلى المدون من القرآن أو يراجعها؟ ورغم غموض بعض الروايات استطاع «نلدكه» أن يخرج بالنتائج التالية (١) أن محمدا كان يعتبر نفسه أميا ولهذا كان يترك غيره يقرأ له القرآن ومراسلاته (٢) أنه على أية حال لم يقرأ التوراة أو أي كتاب عظيم آخر (تاريخ القرآن الجزء الأول ص ١٦). (١) انظر الكتاب السابق تأليف لوبلوا (ص ٣٥) إلا أن الدكتور «جراف» Graf أكثر تأكيدا. فلم يظهر الكتاب المقدس باللغة العربية إلا بعد ذلك بقرون عديدة ولم تكن الحاجة ملحة لإنجيل باللغة العربية إلا في القرن التاسع والعاشر (مجلة «العالم الإسلامي» (باللغة الانجليزية) - إبرايل ١٩٣٩، مقال «مس بادويك» Miss Padwick عن أصل الترجمات العربية ... ) ورغم بحوثه المضنية في المكتبات المختلفة، يقول القس «شيدياك» بأنه لم يتمكن من الرجوع بتاريخ أقدم ترجمات العهد الجديد باللغة العربية إلى أبعد من القرن الحادي عشر (انظر شيدياك - دراسة عن الغزالي ... الفصل السابع). (٢) تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً [الأنعام: ٩١]. (٣) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ [آل عمران: ٧٨]. (٤) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً [البقرة: ٧٩].