للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا نتهمك، وكنت تكتب الوحي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقم بجمع القرآن» (١).

ويبدو أن سببا آخر قد أسهم بعض الشيء في هذا الاختيار وهو أن زيدا لم يكن من كتبة الوحي ومن حملة القرآن فحسب، ولكنه فضلا عن ذلك حضر بنفسه آخر تلاوة للقرآن قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم (٢). وبالإضافة إلي كل هذه الضمانات، وضعت قاعدة للعمل وطبقت بكل عناية، وهي تقضي بألا يؤخذ بأي مخطوط‍ لا يشهد شخصان على أنه مكتوب ليس من الذاكرة وإنما بإملاء الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته وأنه جزء من التنزيل في صورته النهائية. وهذا التشدد في اشتراط‍ شاهدين أدى إلى إستبعادآية جاء بها «عمر» عن رجم الزانية لأنه كان الشاهد الوحيد، كما يقول الليث بن سعد (٣).

وبعد جمع القرآن بكل هذه الاحتياطات، سلمه زيد إلى أبي بكر الذي احتفظ‍ به طوال خلافته وعهد به قبل موته إلى عمر المرشح للخلافة من بعده. ثم قام عمر بتسليمه إلى ابنته حفصة أم المؤمنين في آخر لحظة من حياته لأن الخليفة الثالث لم يكن قد بويع في ذلك الوقت.

[خصائصه]

وفضلا عن كماله المطلق، يتميز أول مصحف رسمي (الذي يمكن أن نشبهه بملف يجمع صحفا مرتبة وغير مجلدة) عن النسخ الأخرى الكاملة أو الناقصة التي كانت عند الأفراد بمطابقته المطلقة للنص المنزل إذ استبعد منه كل ما لم يتضمنه النص الأصلي طبقا للعرضة الأخيرة. فبينما ابن مسعود أو أبي بن كعب كانا في بعض الأحيان يكتبان من الذاكرة على مصحف كل منهما، فيضيفان كلمة قد ترجع إلى تاريخ سابق أو قد يوضحان في الهامش أو بين السطور - وغالبا


(١) بعد أن أورد لوبلوا هذه الرواية أردف قائلا: من ذا الذي لم يتمن لو أن أحدا من تلاميذ عيسى الذين عاصروه قام بتدوين تعاليمه بعد وفاته مباشرة» («القرآن والتوراة العبرية» - لوبلوا ص ٤٧ مذكره ٥).
Leblois،Le Koran eta Bible Hebraique
(٢) انظر «تاريخ القرآن» للزنجاني ص ١٧.
(٣) انظر «الإتقان» للسيوطي ص ٥٨.

<<  <   >  >>