للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيما عدا هذه الحقائق وأمثالها. لا يوجد من الناحية العملية أي ضوء يمكن أن يكشف لنا أنه كان يتوفر عنده في ذلك الوقت بعض المعارف المذهبية أو الاستعداد لمهمة النبوة. لأنه لم يكن يدري {مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ} [الشورى:

٥٢] ولم يكن حظه أكثر من حظ‍ قومه من حيث معرفة القصص الديني (١).

ولم يكن يتوقع هو أيضا أن يكلّف بدور المرسل من عند الله (٢). كما لم يكن يعرف كيف يرشد نفسه إلى (٣) الطريق القويم.

فهل حاول أن يسأل الطبيعة أو يسأل نفسه؟ من المحتمل ذلك ولكن الرد الذي يمكن أن يتلقاه لم يكن يتعدى الحقائق المبهمة والدارجة لما جرى العرف على تسميته «بالديانة الطبيعية». أما العلم الصحيح والحقائق المفصلة في كل مجال فلم تكن لتصله إلا قطرة بعد قطرة على مدي ثلاثة وعشرين سنة.

[خصائص الوحي المتقطعة]

والواقع أن الناس جميعا يعرفون أن نزول القرآن كان منجما ومجزءا. وفي مقدورنا أن نحدد لكل دفعة من الآيات تاريخا تقريبيا لنزولها، بل إن معاصري الرسول صلّى الله عليه وسلم كثيرا ما حضروا كشهود عيان، وشاهدوا بأنفسهم الأعراض الخارجية لظاهرة الوحي. التي كانت بالنسبة للرسول صلّى الله عليه وسلم تجربة عاشها، ولم يصطنعها. إنها حادث يتلقاه بكل سلبية، وليس في قدرته الهروب منه عند مجيئه. ولا في استطاعته أن يتهيأ له إذا احتاج إليه (٤).


(١) - قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا:
لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنا أن سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام (البخاري عن عبد الله بن عباس كتاب الجهاد باب دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة ج ٦ ص ٤٥٠).
(١) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا [هود: ٤٩].
(٢) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [القصص: ٨٦].
(٣) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى [الضحى: ٧].
(٤) إن قصة الإفك التي لفقها أعداؤه لمس شرفه العائلي معروفة، وتبرئة عائشة بكشف الحقيقة كانت مطلوبة بأقصى سرعة. ولكن الوحي تأخر شهرا كاملا، ولم يكن في مقدور محمد صلّى الله عليه وسلم أن يتعجله، أو يتقول بشيء أو يؤكد أو ينفي الشائعات. ألم يكن يستطيع أن يفض الموضوع بلباقة ثم ينسب قوله إلى الوحي، إذا كان الأمر يتوقف على تحكمه الشخصى؟ (البخاري عن عائشة كتاب المغازي باب حديث الإفك ج ٨ ص ٤٣٦).

<<  <   >  >>