للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبدأ الإسلامي الذي ينظم العلاقات الدولية]

فالمبدأ القانوني الذي يحدد العلاقة بين جماعة المسلمين وبين الأمم والأديان الأخرى هو المبدأ الذي يطلق عليه، بصفة عامة، اسم «التسامح»، وقد تكون هذه التسمية أقل من الحقيقة من بعض النواحي، إذ نلاحظ‍ أولا: أن الشعوب التي لا تعتنق الإسلام وإنما تخضع سلميا لتشريعه المدني لا يجب فقط‍ أن تتمتع بالتسامح، وأن تصان أراضيها وأفرادها (أشخاصهم وأموالهم ودياناتهم وتقاليدهم)، ولكن الإسلام يأخذ على عاتقه أن يوفر لهم هذه الحريات على قدم المساواة مع المسلمين أنفسهم «لهم مالنا وعليهم ما علينا». ثانيا: أما الذين لا يقبلون العقيدة الإسلامية ولا التشريع الإسلامي، فإن القرآن لا يطالبهم إلا بموقف مسالم من جانبهم ليوفر لهم في مقابل ذلك معاملة كريمة أساسها العدل والبر (١).

فالمقاومة الفعلية لا تفرض نفسها إلا في غياب أحد الحلول الثلاثة السابقة (جماعة دينية أو وحدة اجتماعية أو حسن جوار) فإذا صوب الكفر ضربته إلى العقيدة ليضطهدها ويخمد نورها جملة هل من المعقول أن يبقي الدين مكتوف الأيدي أمام الكفر وينظر في سلبية إلى ما يفنيه فناءا تاما؟ وعلى كل من يدعي أنه اكتشف غرضا آخر لنظام القتال في التشريع الإسلامي أن يتفضل ويعطينا الرقم التقريبي للأتباع الجدد الذين اعتنقوا الإسلام بفضل هذه الإجراءات القاسية. لقد عاش المسلمون كلتا التجربتين في وقت مبكر وفطنوا - وذلك في مصلحة العقيدة ذاتها - إلى أنه لا يوجد شيء يعادل تبادل الأفكار في سلام وحرية. لقد فهموا ذلك جيدا حتى لا يساورهم إكراه الناس على الدين بالقوة، وحتى أنه قيل أنه أثناء صلح الحديبية - نظرا لأن حدود المعسكرين المتعاديين كانت مفتوحة - بلغ عدد الذين اعتنقوا الإسلام ما يزيد على عددهم في السنوات السابقة مجتمعة.

[اعتراف جوتييه]

ونستطيع أن نفترض وقوع بعض الأخطاء في فترات الإضطرابات إذ قد يصعب


(١) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة: ٨].

<<  <   >  >>