للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأماني والأوهام، يستبيحون الرشوة والكذب (١) ويعتقدون أنه ليس عليهم حساب بشأن الطوائف الأخرى، ولا التزام بالعدل (٢) في معاملاتهم معهم.

[المعارضة الشعبية لنظامين مدنيين]

أليس من الغريب أن نفترض أن هذا الشعب الذي يقف القرآن منه هذا الموقف، ويحكم عليه هذا الحكم الصارم، يمكن أن يكون نموذجا يحتذي به محمد صلّى الله عليه وسلم ومصدرا لتعاليمه؟ مهما بلغ من تعارض هذا الافتراض مع المنطق. فإن ذلك لا يمنع من بحثه ودراسته فقد تكذب الوقائع أي حكم جزافي مسبق. ولهذا علينا أن نتقبل بالترحيب أي بحث جدّي يكون غرضه كشف أي جانب مجهول من الحقيقة. وإن شك ديكارت المنهجي في نظرنا مبدأ صالح ولا غنى عنه سواء في مجال الإيمان أو في مجال العلم؛ فماذا يفيد بناء الإيمان على رمال متحركة؟ فالأخطاء والأحكام المتحيزة، أمام الضمير المخلص، هما العدو الأول الجدير بالمطاردة حتى عند بحث الحقائق التي تبدو كما لو كانت البراهين قد أجمعت على صحتها.

فعندما نرى القمر يغيّر منازله بحسب موقعه من الشمس، نحكم عن معرفة، بأنه يتلقى نوره من الشمس. ألا يتعين علينا أن نحكم نفس الحكم عندما نرى أن ما نزل على محمد صلّى الله عليه وسلم يتطور ويتعدل ويتراجع بحسب اتصاله مع المجتمع المدني المزود بالعلم؟ هذا هو ما حاول بعض الكتاب الأوروبيين إثباته.

[الحرب وتعدد الزوجات]

ومن غير أن نبعد كثيرا، فقد تأثر أغلبهم بمظهرين عامين وجدوهما متعارضين مع ربانية الرسالة. وتتركز أكبر حججهم في موقف الرسول صلّى الله عليه وسلم المعادي الذي


(١) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً [البقرة: ٧٩ - والآية التالية].
(٢) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: ٧٥].

<<  <   >  >>