للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الحياة الدنيا وزينتها (١). أما القليل الباقي في حوزته بعد وفاته فلم يورّث لأهله وإنما وزع على الفقراء.

ولقد تفوق الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة في الفضيلة الاجتماعية إذ وهب لينا ورقة لم تغادراه حتى وهو في أوج سلطانه. فلا يعنف محدثه مهما كان؛ ولا يعجل إنهاء حديثه؛ ولا يكون البادئ بسحب يده من يد من يصافحه ومع حزمه ونزاهته في إقامة العدل بين الناس كان متسامحا فيما يتعلق بحقوقه الشخصية.

يقول أنس بن مالك أحد خدمه إنه طوال عشر سنوات خدمه فيها لم يعاقبه مرة ولم يسأله عن سبب ما فعل أو ما لم يفعل.

وإن كان قد نجح في أن يعيش في سلام مع سائر الناس حتى ذلك الوقت لأنه عرف كيف يستحوذ على حب وإعجاب كل من عاشره، فإنه لن يلبث أن يثير ضده عداوة ومعارضة من ظلوا يكنون له الحب. فقد اقترب الآن من الحلقة الرابعة من عمره وأصبح مقبلا على حدث جليل سوف يعطي لسلوكه اتجاها جديدا ويعتبر بحق تغييرا حقيقيا لمجرى التاريخ.

[أول مظاهر بعثته]

وأول أعراض بعثته النبوية كما جاء في رواية عائشة أن كل ما كان يراه في منامه كان يتحقق بدقة وبوضوح مثل فلق الصبح في اليوم الثاني. وبعد ذلك بدأ يميل إلى الخلوة والوحدة. فاختار مكانا لخلوته في جبل حراء أو جبل النور في شمال مكة. وهناك بعيدا عن مجتمع مكة الوثني الفاسد وبعيدا عن المشاغل الدنيوية كان يحب أن يخلو إلى نفسه (٢) في غار يطل على الكعبة وعلى الأفق المترامي خلفها على مدى البصر.


(١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (الأحزاب آية ٢٨ - ٢٩).
(٢) لا تحدد رواية البخاري، عن عائشة كتاب بدء الوحي باب بدء الوحي ج ١ ص ٢٤، مدة هذه الخلوة وإنما أوضحت أن محمدا صلى الله عليه وسلم في وحدته كان يتحنث الليالي ذات العدد وكلما نفذ طعامه يرجع إلى أهله ويتزود، أما ابن اسحق فيذكر أن مدة الخلاء المتقطعة كانت شهرا ..

<<  <   >  >>