إن أول ملامح القوة الجارفة التي تتمتع بها الدعوة الإسلامية تكمن - في رأينا - في الصورة التي قدمت بها الحقيقة الدينية في محاولة منها لوضع حد للخلافات التي ثارت بشأنها.
فردا على السؤالين العقيديين الرئيسيين اللذين تنازع واختلف بصددهما الفكر الفلسفي:«ما هو مصدر الكون؟»«وما مصيره؟» نعلم كيف أن الديانات السماوية بعد أن قدمت إجابة دقيقة عليهما، أسست على هذه الإجابة نظاما كاملا في العقيدة والعبادة، اختلف باختلاف الأزمنة والمجتمعات وتباين أمام أنظارنا في أشكاله وحتى في مبادئه الجوهرية، غير أن الإنسان - بنوع من الفطرة المنطقية - لا يقبل بسهولة أن تتناقض حقيقة دينية مع حقيقة دينية أخرى. فما قدم لنا بالأمس على أنه حقيقة خالدة، هل يمكن أن نعتبره بالغد باطلا لا يصلح إلا ليحل محله ما يناقضه؟ هل يمكن أن يحدث هذا دون أن يلقي في قلوبنا ونفوسنا الاضطراب والشك، ومن غير أن يجعلنا نفترض فساد وبطلان المبدأين على السواء؟ إن اتفاق وإجماع ذوي العلم والاختصاص على صدق فكرة معينة، علامة في نظر سائر الناس، على صحة هذه الفكرة. رغم أن هذا الإجماع عامل خارجي، غريب عن ذات الفكرة. ومن هذه الناحية نستطيع إذن أن نقول إنه بقدر ما تتمتع به أية دعوة من تأييد أهل العلم لها وزيادة الثقة بها. يتضاعف تأثيرها على الناس. فاختلاف القادة والزعماء يلقي في نفوسنا الحيرة والاضطراب. وفي إجماعهم نجد التوازن الذي لا غنى عنه لراحة ضمائرنا. إننا نجد راحتنا في الواقع عندما نعلم أن الناس يفكرون تماما كما نفكر، وأن عقول الإنسانية المستنيرة