للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرة، على الواجهة السياسية والاقتصادية في المدن الكبرى فقط‍ وإنما تغلغل في الأعماق النفسية لهذه الشعوب جميعا: فاللغات والأفكار والقانون والآمال والعادات وتصور العالم وفكرة الله، كل ذلك قد طرأ عليه تغيير جذري سريع (١).

[خطأ رأي علماء الغرب عن عوامل التوسعات الإسلامية]

ولم يقتصر تأثير هذا الغزو الفكري على اجتذاب النفوس التي آمنت به بصفة دائمة، بل إنه كان ينزع دائما إلى الإنتشار وكسب الأتباع كلما أتيحت له الفرصة لكي يظهر في بساطته ونقائه الفطريين. وهذه الحقيقة تتعارض مع ذلك الرأي الذائع الانتشار والذي تلوكه الألسنة دائما من أن الإسلام لم ينتشر إلا بحد السيف. أليس التأثير الذي يمارسه على النفوس في الوقت الحاضر دليلا ملموسا على أن له قوة ذاتية وتوافقا فريدا مع الطبيعة البشرية وحقيقة الأشياء؟

[نظرة تاريخية وتحليلية عن منشأ الصراع الحزبي في الإسلام]

ولقد حدث في مرحلة معينة أن القوى المعادية أخذت تصب أحقادها وتستخدم كل عنفها لاضطهاد الدعوة الناشئة وتعذيب أتباعها، مما اضطرها إلى الوقوف في وجه هذه القوى ووضع حد لهذا الظلم الذي ساد وقتا طويلا. وفور إعلان المقاومة، هبت العناصر المعادية في كل مكان وتضافرت فيما بينها للقضاء على هذا النظام الجديد الذي خشيت أن يحل محلها. وتوالت الضربات من كل جانب مما اقتضي وقتا غير قصيرا لإعادة السلام من جديد.

وإذا نظرنا إلى واقع هذه الأمور، فلا نجد مع ذلك شيئا في هذه المرحلة يجعل منها عاملا جوهريا متعمدا في انتشار الدعوة الإسلامية، بل نجد أن السنوات العشر الأولى من الدعوة توضح لنا كيف أن العرض البسيط‍ لمبادئ الإسلام كان يجذب كل يوم مسلمين جدد رغم كل العقبات. وتشهد هذه السنوات كذلك


(١) لإدراك الفرق بين هذه الثورة وبين الفتوحات التاريخية الأخرى، نحيلكم لقراءة «الاستعمار المقدوني وحركة تحويل الشرق إلى القومية اليونانية» ومؤلفه جوجيه وكذا «أخلاق وعادات المسلمين»
(L'lmperialisme Maced،et l'Helenisation de l'Orient)
(Moeurs et Coutumes des Musulmans).

<<  <   >  >>