للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لله ولإرادته التي أعلنت متتابعة على ألسنتهم (١). وعندئذ يعلو الناس فوق الإنشقاق والتنافس (٢) لأنه إذا كانت العقيدة التي يعلنها هذا الرسول صلّى الله عليه وسلم مطابقة لعقيدتي، إنتفت الأسباب التي تبرر صدى هذه العقيدة، ما لم يكن رفضي لها بدافع من الأنانية (٣) أو الحمد (٤) أو الغرور (٥).

[العودة إلى الوحدة الأولى]

إن القرآن يدعو إذن إلى العودة إلى الوحدة الدينية الأصلية التي يستجيب لها ويعتز بها ذوو النفوس السامية، ويكفي أن يرتفع صوت باسم هذه الوحدة المقدسة حتى تتفتح له قلوبهم المتلهفة. ولا شك أن هذه خطوة أولى ضرورية ولكن كل شيء بعد ذلك يعتمد على النظام والمنهج.

[الجزء الأول من المبادئ الدينية في القرآن: فكرة عالمية وغالبا مغمورة]

ونعتقد أن نقطة الانطلاق والنواة التي يدور حولها نظام الإقناع القرآني تنحصر في هذه الفكرة الرئيسية: وهي أن صانعا يتصف بالكمال المطلق والقوة المطلقة، والخير المطلق، خلق كل شيء في الوجود، وأخضعه لإرادته خضوعا مطلقا. وسر نجاح هذه الفكرة أنها، من ناحية تنسجم تماما مع الوحدة الدينية التي يستهدف الإسلام إعادتها من جديد إلى الوجود، حيث أن الفرقة لا تنشأ إلا في التعدد (٦).


(١) قُلْ آمَنّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ‍ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٨٤)].
(٢) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام: ١٥٩] شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: ١٣].
(٣) قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ [البقرة: ٩١].
(٤) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة: ١٠٩].
(٥) وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ [المائدة: ١٨].
(٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٦٤] وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: ٤٦].

<<  <   >  >>