للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنذكر بحقيقة أولى لا تشير فحسب إلى قدم النص الذي نشره عثمان وإنما أيضا وبصفة خاصة، مطابقته التامة مع النص الذي جمع في عهد أبى بكر (١).

والبحوث المسيحية الحديثة تؤكد هذه الحقيقة فيقول شوالي Schwally «لقد أثبتنا فيما تقدم أن نسختي زيد متطابقتان وأن مصحف عثمان ما هو إلا نسخة من المصحف الذي كان عند حفصة» (٢).

ولا يفوتنا أن ننبه هنا، إلى أن آيات مصحف حفصة لا ترجع إلى الخليفة الأول، وإنما ترجع بنصها الكامل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

[ضعف القراءات المخالفة]

والحقيقة أن جميع القراءات تنسب نفسها أيضا إلى نفس المصدر سواءا أكانت شفويّة أو مدونّة. ومن المحتمل أن ترجع بعض هذه القراءات المخالفة إلى ما قبل تاريخ القراءات التي تضمنها مصحف عثمان رضى الله عنه، رغم أن كلا من هذه وتلك يجب أن ترتبط‍ بعهد حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ولكن مع ذلك يجب أن نلاحظ‍ أن الأسبقية النسبية ليست في الواقع مقياسا لأفضلية أي منها على الأخرى.

فالنص الصحيح ليس بالضرورة هو النص الأسبق، بل الأرجح أن يكون هو الذي يتمتع باللمسات الأخيرة في آخر وقت. وحين يرد في حديث الصحابة تعبير «الحرف الأول» فيما يتعلق بالقراءات التي خارج النص، فلا يعني ذلك قط‍ أنها القراءات التي كانت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوجه عام، وإنما القراءة التي كانت في أول هذه الحقبة أي القراءة المنسوخة وهكذا ينهار الأساس ذاته الذي كان يراد به المبالغة في قيمة مثل هذه القراءات.

لنترك جانبا هذه التنوعات التي تعزى إلى فارق الزمن، فيبقي أن الشرط‍ الجوهري لإثبات صحة النص هو الضمان بأنه على شكله المدوّن تتوفر فيه المراجعة الكافية والتصديق الوافي على صحته من الرسول صلّى الله عليه وسلم أو ممن يمثله. وهذه الشروط‍


(١) البخاري كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن، ص ٣٨٤.
(٢) تاريخ القرآن لنولدكه. الجزء الثاني، ص ٩١.

<<  <   >  >>