للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في لجنة جمع القرآن، بل ومضطر أيضا إلى أن يسلم مصحفه المخطوط‍ لإعدامه.

إلا أن هذا الغضب المؤقت لم يحتمل الصمود طويلا أمام التفكير الرشيد لإعدامه؛ لأن ابن مسعود كان في العراق في مهام رسمية قبل وقت الجمع بكثير، ولم يكن من المعقول أن يتمسك بتأجيل هذه المهمة العاجلة لحين عودته، بينما يوجد من الصحابة من يتوفر لديه مثله - بل وأكثر منه - الوثائق الصحيحة المجموعة مدوّنة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والمصدقة منه. أما فيما يتعلق بمخطوطه الذي قد يكون قد أضاف إليه بعض الشروح أو القراءات التي لم يتفق على صحتها، فقد كان لا بد وأن يلقى نفس الوضع الذي آل إليه غيره من المصاحف المشابهة (١) وهو ألا يكون له قوة النص الصحيح، وعلى أن يظل يتمتع بثقة محدودة ومسؤولية شخصية.

[إعدام المخطوطات المشكوك فيها أنقذ وحدة النص]

وإذا كان إعدام هذه المخطوطات الفردية يبدو فيه شيء من القسوة في الوقت الذي لم يوجد بالفعل أي تحريف على الإطلاق، فإنه يدل مع ذلك على أن عثمان كان بعيد النظر وعميقا في إدراك حقيقة الأمور (٢). ويرجع فضل تمتع المسلمين اليوم بوحدة كتابهم واستقراره إلى هذا العمل المجيد من جانب عثمان ومهما أضيف إلى المصحف العثماني من علامات خارجية (ابتكرها أبو الأسود الدّؤلي وأتباعه، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر وحسن البصري وخليل بن أحمد) فإن النص باق كما هو على الدوام يتحدي فعل الزمن .. ووجود بعض الحروف الزائدة أو الكلمات المضغمة أو الكتابات القديمة التي اقتصرت على كتابة المصاحف وحدها في جميع نسخ القرآن اليوم المطبوع منها والمخطوط‍، يعد شهادة بليغة على الأمانة التي انتقل بها البناء القرآني من جيل إلى جيل حتى وصل إلينا بهذا الكمال المنقطع النظير.


(١) أنظر ما سبق عن حالة عمر ص ١٧ وحالة حفصة ص ١٨، مذكرة رقم ١.
(٢) الواقع أنه لم يقم بهذا الإجراء من تلقاء نفسه ومن غير استشارة الناس، ففي إحدى الخطب الواردة بسند صحيح دافع على عن عثمان وشهد بتقواه، وقرر أن هذا الإجراء لم يتخذ إلا باتفاق جميع الصحابة الحاضرين وأنه لو أن عثمان لم يقم به لقام به على نفسه (انظر ابن أبي داود ص ١٢ - ٢٢).

<<  <   >  >>