للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك، وبصفة خاصة، للقيمة الموضوعية للعمل الأخلاقي فبالتقدم نحو الفضيلة نترقى في سلم الاستحقاق (١).

ولا نعتزم هنا (٢) سرد القواعد التي تكون في مجموعها الحكمة العملية القرآنية لأن هذا يعد خروجا عن المجال المحدد لهذا الكتاب. بل سنكتفي بتوضيح بعض الجوانب التي أثرت بها الدعوة على الناس بفضل مادتها ومحتواها النفيس وبفضل أسلوبها في عرض الحقائق.

[نبدأ بالمنهج]

لقد غرس الله في داخل كل منا بصيرة أخلاقية غريزية. إذ مهما بلغت درجة الانحراف والفساد اللذين قد نسقط‍ فيهما - وفيما عدا حالات استثنائية خاصة بضلال الضمير - فإننا نعترف ونحب ونقدر الفضيلة في ذاتها وفي غيرنا حتى إن أعوزتنا الشجاعة للارتفاع إلى مستواها. ولا شك في أن مشهد أي سلوك هابط‍ يثير نفورنا، حتى ولو راودنا الإغراء لاقتراف نفس العمل الذي نلوم عليه غيرنا، إننا نكره في أنفسنا عيوبنا الذاتية، وإذا كنا لا نبذل من الجهد المتواصل ما يكفل تصحيحها فإننا نتلمس لأنفسنا المعاذير لتبرئة أنفسنا منها. فمن هو الرجل الذي يقبل أن يوصم بالكذب أو النفاق أو الخيانة أو الغش أو السكر أو بأي رذيلة أخرى؟

[اعتماد القرآن على غريزة الإنسان في معرفة العدل والظلم والخير والشر]

فعلى هذا الشعور العام القادر على التمييز بين العدل والظلم وبين الخير والشر، يستند القرآن في أغلب الأحيان ليؤسس نظامه الخلقي. ويعتمد عليه في تعريف فكرته العملية. وها هي بعض العبارات التي يستخدمها القرآن ليلخص بها رسالته


(١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأحقاف: ١٩].
(٢) انظر كتابنا «الأخلاق في القرآن».

<<  <   >  >>