وفي إحدى الليالي ووسط السكون المطبق من يوم ١٧ من شهر رمضان كما يقول ابن سعد (فبراير ٦١٠ من التقويم الميلادي) دخل محمد صلى الله عليه وسلم في أول اتصال له مع ما وراء الكون. فمر بأول تجربة له مع الوحي الحقيقي.
[بداية الوحي]
ولقد نقل إلينا بنفسه أطوار ما حدث على شكل حوار بينه وبين جبريل عليه السلام، بين التابع والمربي. قال جبريل: اقرأ، قال محمد صلى الله عليه وسلم مندهشا: ما أنا بقاريء، فكرر جبريل قوله «اقرأ» بعد أن ضمه إليه ضمة شديدة، قال محمد:
ماذا أقرأ! ولقد تكرر نفس الأمر مع ضمة أشد من الضمة الأولى، كما لو كان المقصود منها إثارة انتباهه والتمكين في نفسه لمعاني الجدية التي تتطلبها التبعة الثقيلة التي سيكلف بها. ولكن صاحبنا المتبتل يتساءل في هلع:«كيف أقرأ» وهنا يقرأ عليه الملك:
وثبتت هذه الكلمات الكريمة في ذاكرته؛ وأخذ يرددها لنفسه بينما اختفي الملك. وعندما خرج محمد صلى الله عليه وسلم من الغار عائدا إلى داره سمع صوتا يناديه. فرفع رأسه إلى السماء وإذا بالملك ذاته يغطى الأفق ويقول:«يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل» ولم يستطع أن يحول نظره. أو يتقدم أو يتأخر، فلم يكن يحدق في أي نقطة في السماء إلا ويراه أمامه، واستمر ذلك لمدة من الزمن ثم لم يعد يرى شيئا.
(١) نذكر هنا أن هذه الآيات وهي أول نبع من الوحي القرآني توضح بدقة أن المقصود هو الإعلان عن علم لم يحصل بعد وإنما سوف يتلقاه محمد مستقبلا بفضل كرم الله الخالق. ومن الجلي أن التعبير كان يخالف ذلك تماما لو أن الوحي كان ثمرة لدراسة طويلة وناضجة كما يحب البعض تفسيره.