للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث الجمال أو الجانب الأدبي

[القرآن نموذج ممتاز في الأدب العربي]

توجد في أعماق النفس الإنسانية، كما سبق لنا القول، بصيرة داخلية تميز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، مهما اختلفت صورهما بشرط‍ أن يرى الإنسان بجلاء، وبذهن صاف، ورباطة جأش. فالعقول الثاقبة، والنفوس المهيأة، لا تحتاج لأكثر من ذلك لكي تعتنق دعوة جديدة طالما رأت أنه يتوفر فيها هذا الشرط‍ المزدوج، ألا وهو تعليم الحقيقة والدعوة إلى الفضيلة. فبدون أن يثيرها المظهر الخارجي، تنفذ بسرعة من خلال هذا الغلاف وتكتشف الجوهر وتقدر قيمته حق قدرها. وعلى هذا النحو استطاع هرقل - الامبراطور الروماني رغم جهله باللغة العربية - أن يحكم على صدق الرسالة المحمدية استنادا إلى بعض الشروط‍ الأخلاقية التي اعتقد أنها ضرورية وكافية لكي تبرهن على ربانية هذه الرسالة (١).

ولكن الأمر قد يختلف عن ذلك بالنسبة لعامة الناس. فما يجذب اهتمامنا فيما يقدم إلينا، هو سحر شكله الخارجي أكثر من متانة محتواه وأي جديد يكتسي بمظهر حقير وغير جذاب، يجعلنا ننفر منه وننصرف عنه. لأننا نتسرع في الحكم على الأشياء بحسب مظهرها قبل أن نختبر الجوهر واللباب. فالمحسوس لدينا يسبق المعقول وعن طريقه نتوصل إلى اختبار هذا الأخير، عندما يعرض علينا. ومن هنا ندرك قيمة العون الحقيقي الذي يمكن أن يقدمه الأدب إلى العلم والحكمة عندما ينتصران للحقيقة والفضيلة.

والدعوة الإسلامية تتمتع في هذه الناحية بالكمال الذي لا تشوبه شائبة


(١) انظر البخاري - كتاب الجهاد باب ١٠١؛ وأيضا ج. ب. سان هيلير في كتابه «محمد والقرآن» ص ١٥٠ - ١٥١.

<<  <   >  >>