للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكل مسؤوليات الحرب إذن تقع على عاتق الباديء بها، ولكن إلى أي مدى تمتد هذه المسؤوليات؟ هل هي مسؤوليات جماعية؟ لقد أثبتنا في مكان آخر (١)

المبدأ القرآني الذي يتضمن أن المسؤولية الجنائية والأخلاقية هى مسئولية فردية وأن المسئولية المدنية تميل إلى الإقتراب من نفس هذه الفكرة وشأنها شأن المسؤولية العسكرية، فعندما يقول القرآن {قاتِلُوا .. }. { ... الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} إنما يقصد بذلك الذين يقاتلون قتالا فعليا ويحملون السلاح.

[السنة النبوية تفصل الأهداف العسكرية من الحرب]

ولقد أوضحت السنة هذا الشرط‍ بعناية فائقة، وأبعدت عنه أي إلتباس:

فالنساء والأولاد والشيوخ والعميان والعجزة والمجانين والمزارعون في حقولهم والمتعبدون في صوامعهم (٢)، لا يتعرضون للأعمال الحربية أي لأي عمل يؤدي إلى التدمير بوجه عام مثل الفيضان والحريق. وعند تطبيق الحكم القرآني الذي يقضي بالعفو عن الذين يوقفون القتال، ذهب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى حد أن أوصى بتحريم ملاحقة العدو الهارب من ساحة القتال.

[الغرض الحقيقي من الحرب]

ما هو إذن الهدف من هذا التشريع؟ نعتقد أنه قد وضح الآن: وهو إبعاد الخطر، فالإسلام يدين روح التدمير وروح السيطرة (٣)، بل إنه لا يريد فرض «أيديولوجية عالمية» (٤)، وحتى مع افتراض أنه قد يكون هناك من يريد ذلك فإنه لا يستطيعه لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم ذاته لم يكن ليركن إلى إمكانياته البشرية ويعول عليها، بعد أن أوضح له القرآن الأبعاد والحدود. هل يستطيع أن يغير إرادة الله؟ إنه بموجب أمر إلهي سيظل الخلاف قائما بين الناس (٥)، وسيظل الإيمان قاصرا على قلة


(١) أنظر دراز «الأخلاق في القرآن» الفصل الثاني والرابع والخامس. Draz،La Morale du Koran
(٢) إذا كانت الحرب يقصد بها محاربة الدين بالفعل ألم يكن من الأولى أن يكون هدفها هم رجال الدين أنفسهم.
(٣) تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً [القصص: ٨٣].
(٤) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: ١١٨ - ١١٩].
(٥) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: ١١٨ ١١٩].

<<  <   >  >>