للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما لا يكون هناك ما يدعو للوقوف طويلا أمام هذا الوصف التجريدي الذي ليس له معنى ولا قيمة إلا بمراجعة مضمونه على النص القرآني. وهو العمل الذي قمنا به في كتاب آخر (١) ولا ينبغي أن نكرره هنا. فالعربي الأصيل الذي تسري في دمه غريزة اللغة، ليس في حاجة إلى هذا التحليل لكي يقدر بنفسه طابع النص القرآني الفريد. وما يستفاد من هذه الدراسة البطيئة المنطقية، يدركه هو بفطنته وفطرته. فهو يشعر بالقرآن وكأنه آت من السماء، ينفذ إلى القلوب، ويبهر الأبصار.

السمو الفريد حتى بالنسبة لحديث الرسول صلّى الله عليه وسلم:

ولقد أدرك الكفار هذا التأثير في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم. واختلفوا في التماس التفسير والتعليل له، إذ وجدوه ظاهرة غريبة إلى درجة أن اطلقوا عليه «سحرا».

وحتى في عصرنا الحاضر، ورغم بعد الزمن واختلاط‍ الأجناس وانحراف فطرة اللغة، نجد العرب على اختلاف دياناتهم، يعترفون بالسمو والجلال والهيبة التي ينفرد بها النص القرآني لا بالنسبة للأدب العربي بوجه عام، ولكن حتى بالنسبة لأحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلم ذاته المعروفة ببلاغتها الرفيعة. فالواقع أنه يتوفر تحت أيدينا اليوم آلاف من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلم، منها ما كان بعد تفكير عميق امتد إلى ما يقرب من الشهر مثل حديث الإفك، وأحاديث أخرى كانت على أثر وحي بالمعنى لا بالنص مثل «اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك» (٢) فجميع عبارات الرسول صلّى الله عليه وسلم وجمله يتميز عنها النص القرآني تمييزا صارخا، وكأنه شعاع من الشمس يمر خلال


(١) في دراسة سابقة لنا باللغة العربية بعنوان «النبأ العظيم» والتي توقف نشرها بالقاهرة بسبب سفرنا إلى فرنسا عام ١٩٣٦ - عرضنا لبعض الخصائص الفريدة للأسلوب القرآني وضربنا الأمثلة الجلية التي توضح هذا الانفراد. ولا يعدو عملنا هنا سوى التذكير ببعض النقاط‍ الجوهرية التي وردت بهذه الدراسة.
وهناك عدا التعليقات والمقدمات التي كتبت عن القرآن الكريم دراسات متخصصة في هذا الموضوع نذكر منها: العسكري (الصناعتين)، الجرجاني (دلائل الإعجاز)، (وأسرار البلاغة) الباقلاني (إعجاز القرآن) ومن الكتاب المحدثين نذكر على الخصوص الرافعي (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية).
(٢) صحيح البخاري عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه، كتاب الحج باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج ج ٤ ص ٣٦٣، وصحيح مسلم كتاب الحج باب ما يباح للمحرم لحج أو عمرة وما لا يباح ج ٤ ص ٣.

<<  <   >  >>