للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ناحية أخرى فإن سمو هذه الفكرة فوق كل الاعتبارات الضيقة في الديانات المختلفة، تذكر الناس بالحقيقة الخالدة التي عرفوها أو التي يسهل عليهم معرفتها.

والواقع أنه حتى العرب المشركين كانوا يعترفون بوجود إله أعظم. خالق للكون ومدبر لشؤونه (١). ولا يرجع هذا الاعتراف فقط‍ إلى بعض الآثار المحفوظة عندهم، من ديانة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وإنما توجد نواته في أعماق النفس الإنسانية (٢) ولكن هذا التوحيد الأولي أو هذه الديانة الفطرية، كما يسميها القرآن (٣) لم تكن إلا فكرة نظرية محجوبة ومغمورة في الواقع تحت معتقدات وعبادات كانت تؤدي إلى عدد لا يحصى من الآلهة (٤) فهم لا يدعون الله الواحد إلا إذا ألم بهم خطر كبير (٥). ولا يقدمون له من القرابين إلا ما قل (٦) وحقر.

ولاتصالهم الوثيق بالطبيعة ومظاهرها المختلفة، كانوا ينسبون إلى النجوم (٧)

والكواكب (٨) بعض الفضل وكانوا يخرون لها ساجدين.

[وصف الوثنية العربية من وحدانية الله الخالق إلى وحدانية الله المعبود]

وأما بين الله الواحد وبين الناس فقد ابتكروا قوى وسيطة قادرة على أن تقّرب الناس إلى خالقهم (٩)، أو تتشفع لهم عنده (١٠). ولهذا كانوا يعبدون


(١) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ... [العنكبوت: ٦١].
(٢) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا ... [الأعراف: ١٧٢].
(٣) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم: ٣٠].
(٤) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦].
(٥) حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ‍ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ [يونس: ٢٢].
(٦) وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً .. [الأنعام: ١٣٦].
(٧) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى [النجم: ٤٩].
(٨) لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ [فصلت: ٣٧].
(٩) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى [الزمر: ٣].
(١٠) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ [يونس: ١٨].

<<  <   >  >>