ضوء منبعث من نجفة من الشموع، إذ نلحظ في القرآن فى الحال لهجة فريدة لا تنبعث من قلب رجل، وليست سوى نفحة ربانية.
[خطأ كثير من العلماء بشأن وحدة السور القرآنية]
وقبل أن نترك هذا الفصل ينبغي أن نركز بعض الجهد على نقطة غفل عنها جميع المستشرقين فضلا عن بعض علماء المسلمين، وهي طريقة القرآن الكريم في معالجة أكثر من موضوع في السورة الواحدة. فعند ما لاحظ بعضهم بنظرته السطحية - عدم توافر التجانس والربط الطبيعي بين المواد التي تتناولها السورة، لم ير القرآن في جملته إلا أشتاتا من الأفكار المتنوعة، عولجت بطريقة غير منظمة، وبدون أي ربط منطقي بينها، بينما رأي البعض الآخر أن علة هذا التشتيت المزعوم ترجع إلى الحاجة إلى تخفيف الملل الناتج من رتابة الأسلوب، والحزن المترتب على تكرار النغمة مما يتنافي مع المثالية في الأسلوب العربي. وهناك فريق آخر لم ير في الوحدة الأدبية لكل سورة - وهو ما يستحيل نقله في أية ترجمة - إلا نوعا من التعويض لهذا النقص الجوهري في وحدة المعنى. وفريق آخر يضم غالبية المستشرقين رأى - وهو يهدف إلى تبرئة الرسول صلّى الله عليه وسلم الذي قدم كل سورة من القرآن على شكل وحدة مستقلة - أن هذا العيب يرجع إلى الصحابة الذين جمعوا القرآن وقاموا بهذا الخلط عندما جمعوا أجزاءه ورتبوها على شكل سور.
إن هذه التفسيرات لا تبدو صالحة للأخذ بها. إذ أن السنة والأثر الصحيح متفقان على أن السور كانت بالشكل الذي نقرأها به اليوم. وبتركيبها الحالي منذ حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم. إذن قد يرجع السبب إلى عيب أصيل لا تكاد تجدي معه التبريرات السابقة إذا كانت حقا وحدة السورة لا تعدو أن تكون سلسلة من الحروف والصوتيات تخفي تشتيتا وتفرقا جوهريا في المعنى، وتترك فواصل لا يقبلها المنطق في مسيرة الأفكار وتقفز قفزات مفاجئة في السورة عند الإنتقال من موضوع إلى موضوع جديد.