[الفصل الثاني البحث عن مصدر القرآن في الفترة المدنية]
هل أثر إنتقال الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى بيئة جديدة واتصاله بأهل الكتاب في سلوكه ومصدر علمه؟
بعد أن جبنا الآفاق المكية في عجل، وتوصلنا إلى نتيجة سلبية أينما بحثنا، كان أجدر بنا أن نصدر حكمنا الآن لو لم يطرأ أي تغيير على مسيرة النبوة المباركة.
ونظرا لأننا لم نقابل هذا التعبير في بداية الفترة المكية، فقد بحثنا هذه الفترة ككل، من غير تمييز بين ما كان قبل أو بعد نزول الوحي. ولما كنا بصدد البحث عن مصدر بشري للقرآن، فقد تعيّن علينا فيما تقدم - وينبغي علينا هنا - أن نبعد عن مجال البحث ظاهرة الوحي، فإذا أبعدنا هذه الظاهرة - نستطيع أن نقرر - أنه طوال نصف مدة الرسالة المحمدية، أي خلال مدة إقامته بمكة، بقيت جميع الظروف البيئية بدون تغيير بينما مالت احتمالات حصوله على تعليم خارجي إلى الضعف ومنذ أن أعلن محمد عليه السلام دعوته، دخل التاريخ من أوسع أبوابه، ثم بدأت تعد عليه خطواته تدريجيا وتحسب عليه اتصالاته، ثم باطراد زيادة المعارضة والاضطهاد، زاد استقلاله وإيمانه، وارتفع شأن دعوته.
وعليه فنظرا لضعف احتمال وجود أي مصدر يصلح استخدامه في الفترة المكية، بل انعدام هذا المصدر، فإن الإتجاه الآن يزداد أكثر فأكثر نحو استبعاد الفرض القائل بتلقي محمد صلّى الله عليه وسلم لتعليم بشرى فيما قبل الهجرة.
[تغيير الموطن]
ولكن تغييرا عظيما قد طرأ في الواقع مع الهجرة على وجه التحديد. فمن بيئة وثنية جاهلة عنيدة، انتقل الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى جو مرحب ودود، يحوطه فيه أتباعه الأقوياء المخلصون. وهو منذ ذلك الحين على اتصال بطائفة منظمة دينيا، ولها