للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تأثيره على الرسول صلى الله عليه وسلم]

قد يكون الاضطراب الذي أصاب محمدا صلى الله عليه وسلم من هذه التجربة السمعية والبصرية الجديدة قد أوجد عنده بعض الشك حينا في حقيقة صوت الملك أو بعض الخوف من أن يكون قد أصابته مسة شيطانية وهو الذي لم يمقت شيئا كمقته للسحرة والكهنة فكان يخشى أن يكون قد أصبح واحدا منهم. وقد لا يبعد عن الحقيقة أن الآلام البدنية التي نتجت عن هذه المقابلة تشبه آلام الموت وقد يكون قد تصور أنه مات من شدتها. وبهذا الاضطراب المعنوي والبدني عاد محمد صلى الله عليه وسلم فورا إلى بيته تهزه حمّى باردة وطلب من أهله أن يدثروه بغطاء ثقيل حتى يذهب عنه الخوف.

[مواساة خديجة ورأي ورقة بن نوفل]

وعندما أنهى إلى خديجة ما حدث وأبدى لها مخاوفه واضطرابه بذلت وسعها في تطييب خاطره في أطيب حديث وأجمل مواساة: «كلا والله ما يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضعيف وتعين على نوائب الحق» (١).

ولما لم تستطع أن تعطي له تفسيرا موضوعيا وأكيدا عن طبيعة هذه الظاهرة لجأت إلى من هو مختص في الموضوع لاستشارته. وقررت أن تذهب معه إلى ابن عمها «ورقة بن نوفل» وهو عجوز كفيف قد تنصر بعد أن أمضى حياته في المطالعات العبرية وفي علوم الكتب السماوية السابقة. فقال لهما: «هذا هو الناموس (٢) الذي نزل على موسى يا ليتني فيها جزعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم. قال: نعم لم يأت رجل قط‍ بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا» (٣).


(١) رواه البخاري عن عائشة كتاب الوحي باب بدء الوحي ج ١ ص ٢١.
(٢) معنى الناموس الوحي أو القانون السماوي.
(٣) رواه البخاري عن عائشة كتاب الوحي باب بدء الوحي ج ١ ص ٢١.

<<  <   >  >>