للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ناحيتين لأنه يتضمن نقصا من جهة وزيادة من جهة أخرى.

أما من ناحية النقص فلأنه يرجع النص القرآني الموجود بين أيدينا اليوم إلى الخليفة الثالث، بينما عثمان - كما رأينا - لم يقم إلا بنشر المخطوط‍ المجموع في عهد أبي بكر. ولقد رأينا أيضا كيف أن هذا الأصل ذاته لم يكن إلا التدوين الكامل حسب ترتيب العرضة الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم (وهذا الترتيب يختلف عن ترتيب النزول) وهو النص المدون بإملاء الرسول نفسه.

وأما الزيادة ففي التأكيد بأن النسخ المتداولة - رغم أنها تكرار خطي لبعضها البعض - لا تتضمن أي اختلاف في القراءة. ويعلم عكس ذلك تماما كل من له إلمام بالنص القرآني العربي. فإذا كانت الحروف المتحركة الطويلة تكتب دائما في جسم كل كلمة، فإن الحروف المتحركة القصيرة لا تكتب أبدا، وكذلك الحال بالنسبة لبعض الحروف المتحركة المتوسطة. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن مجموعة كبيرة من الحروف العربية تتشابه وتتطابق في كتابتها ولا تختلف عن بعضها إلا ببعض نقط‍ التشكيل، فمثلا يحتمل قراءة «الياء» (ي‍) نونا أو تاءا أو باءا أو ياءا بحسب موضع النقطة أو النقطتين بأعلى أو بأسفل الحرف. ولم تكن هذه النقط‍ تستخدم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين الثلاثة من بعده. وإذا كان التذوق اللغوي كان يساعد أحيانا على تخمين النطق الصحيح للكلمة، ففي الغالب كان النطق لا يتضح إلا بإرشاد شفوي. غير أن السنة توضح لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتبع نطقا واحدا عند تعليمه القرآن للمسلمين، فلم يكن نادرا أن يعطي للكلمة الواحدة (أو أصلها) أكثر من قراءة، كلها صحيحة ولها مدلولها، فكلمه «ملك» يجوز قراءتها «مالِكِ» أو «ملك» وكذلك كلمة «فَتَبَيَّنُوا» يمكن قراءتها «فتثبتوا» طبقا للقراءات المختلفة الواردة في السنة.

[منشأ القراءات المختلفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقراءات السبعة]

ولما كان المستمعون من المسلمين ليسوا هم ذوات الأشخاص في كل مرة، فقد

<<  <   >  >>