[الاختلاف الظاهري بين التوراة والإنجيل بشأن الطلاق والقصاص]
لقد أغفلنا خلال العرض السابق موضوعين من العهد الجديد هما: الطلاق والقصاص، اللذان يبدوان وكأنهما يتعارضان مع شريعة موسى.
فمقابل حرية بدون قيد تبدو وكأن التوراة قد منحتها للزوج لكي يطلق زوجته عندما يرى فيها شيئا يثير «الخجل» أو عندما يشعر «بالكراهية» نحوها، يبدو الإنجيل وكأنه يعارض حل الرابطة الزوجية إلا في حالة الخيانة. ومقابل الإصرار على المطالبة بدم القاتل والرد على كل سيئة بمثلها، علّم عيسى واجب عدم مقاومة الشرير والعفو عنه.
[حقيقة أن العدل والمحبة هما مظهران لقانون خالد واحد]
فإذا نظرنا إلى حرفية هذه المبادئ يتبين لنا أن المسيحية تكون قد ألغت قوانين شرعت في الماضي. وإذا أمعنا النظر، سنرى أن هذا لا يعدو أن يكون وجهين أو درجتين من قانون واحد خالد، أحدهما يسمى العدل والثاني يسمى المحبة. إنهما طرفان يتحرك بينهما القانون الأخلاقي ولا يستطيع أن يخرج عن حدودهما.
فضلا عن أنه لا يستطيع عقلا أن ينحاز نحو أحدهما ويستبعد الآخر نهائيا.
فالعدل يكلف كل من يرغب في استخدام حقه أن يلتزم بحدود إنسانية لا ينبغي أن يتعداها. أما من يرغب في التنازل عن حقه بدافع من الكرم والأريحية فلا غبار عليه. فالإحسان يدعونا إلى كريم العفو من غير أن يذهب إلى حد حماية الجريمة وتحبيذ الرذيلة. فإذا أهملنا هذا العمل الكريم رغم يسره، يعتبر ذلك نوعا من فقدان الذوق الأخلاقي. ولكن إتمام هذا العمل على حساب الفضائل الأخرى التي تفوقه أهمية يعتبر عملا متناقضا. ويمكننا أن نتمسك بأحد الطرفين حسب ما تقتضيه الحالة، وذلك كما يتطلب أحيانا علاج المرض الواحد الاستعانة بطرق مختلفة. فحسب درجة خطورته وبحسب حالة المريض الصحية نلجأ إما إلى وسائل عادية ومعتدلة في درجتها أو إلى نوع من اليقظة والحذر، أو إلى أكثر الطرق حسما.