فيما يختص بالقصص الميسيحي واليهودي بوجه عام، يؤسفنا ألا نجد ما يؤيد هذه الملاحظة من قريب أو بعيد. والرجوع إلى النص القرآنى يثبت لنا العكس تماما، فالسور المكية هي التي تعرض (١) أطوار قصص التوراة بتفاصيلها الدقيقة، ولم تترك للسور المدنية سوى فرصة استخلاص الدروس منها وغالبا في تلمحات موجزة.
[علاقة الأنساب بين العرب وبين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام]
أما موضوع إبراهيم عليه السلام بصفة خاصة، فإننا لا نعرف شعبا آخر له مثل ما للعرب من شغف بعلم الأنساب حيث يحرصون على الاحتفاظ في ذاكرتهم بسلسلة أجدادهم حتى وصلوا إلى الجيل العشرين. فهل من المحتمل أن يبقى هذا الشعب في جهالة تامة بأصله حتى آخر لحظة؟ وإذا لم يذكرهم وجود الكعبة بينهم - وفيها بعض الاماكن المعروفة تحمل اسم ابراهيم واسماعيل عليهما السلام - بعلاقاتهم بهذه الأسماء المجيدة، فيمكن على الأقل أن يكونوا قد سمعوا عنها من اليهود جيرانهم منذ عدة قرون قبل الهجرة. وعلى كل حال يبدو لنا أن القرآن
(١) ولكي نرشد القاريء في هذا الشأن نوضح الآيات المكية التي تعني بهذه القصص: سورة الأعراف عن آدم ١١ - ٢٥ وموسى ١٠٢ - ١٧٦، وسورة يونس عن موسى ٧٥ - ٩٢، وسورة هود عن نوح ٢٥ - ٤٩، وإبراهيم ولوط ٦٩ - ٨٢، وسورة يوسف عن يوسف، وسورة الحجر عن آدم وإبراهيم ولوط ٢٦ - ٧٧، وسورة الإسراء عن بني اسرائيل ٤ - ٨، وسورة الكهف عن أهل الكهف ٩ - ٢٥، وموسى ٦٠ - ٨٢، وسورة مريم عن زكريا ويحيي ومريم وعيسى ... الخ ١ - ٣٣، وسورة طه عن موسى ٩ - ٩٨، وسورة الأنبياء عن إبراهيم ٥١ - ٧٠ وداوود وسليمان ٧٨ - ٨٢، وسورة الشعراء عن موسى وإبراهيم ونوح ... الخ ١٠ - ١٨٩، وسورة النمل عن موسى وداوود وسليمان ٧ - ٤٤، وسورة القصص عن موسى ٣ - ٤٣، وقارون ٧٦ - ٨٢، وسورة العنكبوت عن نوح وإبراهيم ولوط ١٤ - ٣٥، وسورة سبأ عن داوود وسليمان ١٠ - ١٤، وسورة «ص» عن داوود وسليمان وأيوب ١٧ - ٤٤، وسورة الذاريات عن إبراهيم ٢٤ - ٣٧.